الحجة الخامسة : قوله تعالى : (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ : رَأْفَةً وَرَحْمَةً) (١) ويقرب منه : قوله تعالى : (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (٢) ولا شك أن تلك المودة والرحمة من الطاعات العظيمة. فدل ذلك : على أن طاعات العباد مخلوقة لله تعالى.
الحجة السادسة : قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ : عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) (٣) ونظيره قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ : عَدُوًّا. شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) (٤).
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون المراد منه : الحكم بكون أولئك المجرمين ، أعداء لذلك النبي؟ فنقول : المراد : أنه تعالى لما خصص الرسل بالكرامات الفائقة ، والفضائل العظيمة ، التي بسببها يحسدهم الكفار ، ويعادونهم ، صار كأنه تعالى هو الذي جعلهم أعداء لأولئك الأنبياء ، وإليه أشار المتنبي بقوله :
أزل حسد الحساد عنّي بكبتهم |
|
فأنت الذي صيرتهم لي حسدا |
ثم الذي يدل على أنه لا بد من المصير إلى هذه التأويلات : جميع الآيات الدالة على أنه تعالى ينصر الأنبياء والرسل. قال ـ تعالى ـ : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ : بِالْهُدى ، وَدِينِ الْحَقِّ ؛ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ. وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٥) وقال : (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) (٦) فكيف يليق بمثل هذا الإعزاز ، أن يلقى عداوته في قلوب الناس؟
والجواب : أما تفسير لفظ الجعل بالحكم والتسمية. فقد ذكرنا أنه خلاف الظاهر. وأيضا : لو سلمنا ذلك. إلا أن الله تعالى لما كان قد حكم به
__________________
(١) سورة الحديد ، آية : ٢٧.
(٢) سورة الروم ، آية : ٢١.
(٣) سورة الفرقان ، آية : ٣١.
(٤) سورة الأنعام ، آية : ١١٢.
(٥) سورة الصف ، آية : ٩.
(٦) سورة الفتح ، آية : ٣.