هذه المقدمة ، فحينئذ يتعذر علينا الاستدلال بإمكان الممكنات على إثبات الصانع. فثبت: إما القول بالجبر ، وإما القول بنفي الصانع.
فأما الحكم بأن الإمكان محوج في بعض الصور إلى المرجح ، وفي صور أخرى غير محوج إلى المؤثر ـ كما هو قول المعتزلة ـ فهو قول فاسد. ومثال هذه المسألة : سلسلة مركبة من خلق متشابهة في الخلقة ، والصورة ، والقوة ، والضعف. فإذا كان التقدير ما ذكرناه. وامتنع مع هذا التقدير أن يحكم على بعض تلك الخلق بالقوة ، وعلى بعضها بالضعف ، فكذا هاهنا : ما سوى الواحد الأحد ، الحق ، الواجب لذاته : لا بد وأن يكون ممكنا لذاته. وكل الممكنات مشاركة في طبيعة الإمكان. فإن كان الإمكان محوجا إلى المؤثر ، فليكن كذلك في كل الممكنات ، وإن لم يكن محوجا إلى المؤثر ، فليكن كذلك في كل الممكنات. فأما الحكم على بعضها بالاستغناء مع الاشتراك الكل في ماهية الإمكان ، فإنه محض التحكم (١) الباطل. وبالله التوفيق.
فهذا تمام الكلام في هذه المقدمة.
واعلم : أنه كان يجب [علينا (٢)] أن نبتدئ في الاستدلال (٣) بكتاب [الله تعالى (٤)] ثم بسنة رسوله ثم بالدلائل العقلية. تقديما للنص. إلا أنا لما تأملنا ، وجدنا الاستدلال بتلك النصوص لا يظهر كل الظهور ، إلا بعد الإحاطة بتلك العقليات. فلهذا السبب قدمنا الدلائل العقلية.
وبالله التوفيق
__________________
(١) التحكيم (م ، ط ، ل).
(٢) من (ط ، ل).
(٣) بالاستدلال (م ، ل).
(٤) من (ط ، ل).