في اللوح المحفوظ ، كان حصوله واجبا ، وتركه ممتنعا. لما بينا أن تركه يقتضي انقلاب خبر الله، الصدق : كذبا. وإنه محال. وأما الذي ذكروه في الوجه الثاني فضعيف جدا. وذلك لأن تخصيص الرسل بتلك الكرامات وتلك الفضائل لا يوجب حصول العداوة. ألا ترى أن تلك الفضائل هي التي صارت أسبابا قوية لحصول المحبة الشديدة في قلوب الأولياء. ولو كان حصول تلك الفضائل ، موجبا لحصول العداوة ، لكان السبب الواحد موجبا حصول ضدين. وهو محال. بل الحق : أن ذلك لا يوجب ، لا حصول المحبة ، ولا حصول العداوة. وأن الموجب لحصول المحبة : إلقاء دواعي المحبة في القلوب ، والموجب لحصول العداوة : إلقاء دواعي العداوة في القلوب. وعلى هذا التقدير يكون الكل من الله. وعند استحضار مسألة الداعي على الوجه الذي لخصناه ، يظهر أن ظاهر قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) متأكدا بهذا البرهان العقلي القاطع ، الذي لا يقدر أحد على التشكيك فيه بوجه من الوجوه. وبالله التوفيق.
الحجة السابعة : قوله تعالى : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) (١) والكلام سؤالا وجوابا : عين ما تقدم.
الحجة الثامنة : قوله تعالى : (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً) (٢) فإن قيل : ظاهر هذا النص حجة عليكم. لأنه تعالى أضاف الإلقاء إلى الشيطان. ثم نقول : هذا النص يدل على أنه تعالى يجعل ما يلقيه الشيطان فتنة. والمراد من الفتنة : العلامة المميزة للذين في قلوبهم مرض ، عن الذين ما كانوا كذلك. يقال : فتنة. إذا امتحنته. ولا يلزم من قولنا : جعل ما يلقيه الشيطان علامة لبعض الأمور. قولنا : إنه تعالى هو الذي خلق تلك الوساوس الباطلة التي يلقيها الشيطان في القلوب.
والجواب : قوله : إنه تعالى أضاف الإلقاء إلى الشيطان ، إضافة الفعل
__________________
(١) سورة المائدة ، آية : ١٣.
(٢) سورة الحج ، آية : ٥٣.