إلى الفاعل» قلنا : سيجيء الجواب عنه إن شاء الله تعالى. قوله : «المراد من الفتنة : الامتحان» قلنا : هذه الفتنة المفسرة بالامتحان. إما أن تكون نسبتها إلى الهداية والضلالة على السوية ، أو لا تكون. فإن كان الثاني كان كسائر الأمور ، التي لا تعلق لها بهذا الباب ، فلم تكن فتنة وامتحانا. وإن كان الأول ، كان له مزيد اقتضاء للجهل والضلال. وقد دللنا على أنه متى حصل الرجحان ، فقد حصل الوجوب. وحينئذ يحصل المطلوب.
الحجة التاسعة : قوله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) (١) وقوله : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) (٢) وجعل الشيء : شيئا آخر ، عبارة : عن تحصيل تلك الصفة فيه. يقال : فلان جعل هذا الثوب أسود ، أو أبيض. أي حصل فيه صفة السواد وصفة البياض. فكذا هاهنا. المراد من جعلهم أئمة الهدى ، وأئمة النار : خلق صفة الهدى وصفة الضلال فيهم.
فإن قيل : هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها ، لأنه لو كان خالق الإيمان والكفر هو الله تعالى ، لم يكن لجعل هذا إماما في الهدى ، وجعل ذاك إماما في الضلال : معنى. لأن إمام الهدى ، إن دعى المؤمن إلى الهدى. فهو عبث. لأن الله تعالى ، لما خلق الهدى في المؤمن ، كانت دعوته الى الهدى عبثا. وإن دعي الكافر إلى الهدى فهو محال. لأن من خلق الله الكفر فيه ، امتنع صيرورته مؤمنا. وكذا القول في الإمام الداعي إلى النار. فإنه لا يخلو من هذين الوجهين.
فثبت : أن على مذهب الجبر لا يبقى في جعل الشخص إماما في الهدى ، وإماما في الضلال فائدة. وإذا ثبت هذا فنقول : لا بد لهذا الجعل من تأويل. وهو أحد أمرين : أحدهما : الحكم والتسمية. والثاني : أن يحمل ذلك على أحوال القيامة. وذلك لأنهم في الآخرة يدعون أصحابهم إلى النار. كما قال في حق فرعون : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ. فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) (٣) ومما يقوي ذلك :
__________________
(١) سورة الأنبياء ، آية : ٧٣.
(٢) سورة القصص ، آية : ٤١.
(٣) سورة هود ، آية : ٩٨.