الفصل الرابع
في
سائر الدلائل المأخوذة من سائر الآيات
الحجة الأولى : الإيمان نعمة. وكل نعمة فهي من الله تعالى. ينتج : أن الإيمان من الله تعالى. إنما قلنا : إن الإيمان نعمة. لإطباق الأمة على قولهم : الحمد لله على نعمة الإيمان. وإنما قلنا : إن كل نعمة فهي من الله تعالى. لقوله تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) (١).
فإن قيل : لا نسلم أن الإيمان نعمة. والإجماع الذي ادعيتم : ادعيتم : ممنوع. سلمنا : أنه نعمة ، وأن كل نعمة فمن الله ، حتى ينتج : أن الإيمان من الله. إلا أنا نقول : إن كل شيء كما يضاف إلى فاعله ، لأجل أنه فعله ، فكذلك قد يضاف إلى الآمر به ، والمعين عليه. لأجل أنه أمر به ، وأعان عليه. ألا ترى أن الأب إذا علم ولده الأدب ، وأعانه عليه ، صح أن يقال : هذا العلم إنما حصل له من ذلك الأب ومن وجهته ، وإن كان لا يقال : إنه فعله.
ونظيره : قول موسى صلوات الله عليه ، لما قتل القبطي : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) (٢) وما أراد أن الشيطان قتله ، لكن أراد أنه وسوس إليه ، حتى حدث ما حدث. فكذا هاهنا.
__________________
(١) سورة النحل ، آية : ٥٣.
(٢) سورة القصص ، آية : ١٥.