يزول التناقض بين هاتين الآيتين المتجاورتين.
ولا يقال : هذا مدفوع من وجهين :
الأول : إن بعضهم قرأ (فَمِنْ نَفْسِكَ) (١)؟
الثاني : إنه تعالى أضاف الحسنة إلى نفسه ، حيث قال : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ) تعالى ، وعند المعتزلة : أن الطاعات والمعاصي كلها من العباد. لأنا نقول : أما الأول. فجوابه : من وجهين :
الأول : إن هذه القراءة مهجورة مردودة ، وأنها جارية مجرى تغيير القرآن على سبيل التصحيف والتحريف. وهي طريقة مذمومة.
الثاني : إن القراءة التي تمسكنا بها ، لا يمكن الطعن فيها. فإنها متواترة. وهي تدل على قولنا. وإذا ثبت ذلك فنقول : هذه القراءة الشاذة. إن كانت منافية لتلك القراءة المتواترة ، وجب القطع بكونها مردودة ، وإن لم تكن منافية لها ، فهي لا تضرنا في هذا المطلوب.
وأما الثاني فجوابه : إنا إذا قلنا في الشيء المعين : إنه من فلان. فقد يراد منه : أنه بتخليقه وتكوينه. وقد يراد به : أنه هو الذي أقدره عليه وأعانه عليه وأزال الموانع العائقة منه ، وحصّل الشرائط المعتبرة فيه.
إذا ثبت هذا فنقول : أما كون السيئة من العبد ، فليس المراد أنها حصلت بإقدار العبد. وذلك لأن القدرة على المعصية ، ما حصلت من العبد البتة. ولما تعذر حمل اللفظ على هذا ، وجب حمله على أن المراد منه : أنها حصلت بإيجاده وتكوينه. وأما كون الحسنة من الله ، فهو يحتمل أن يكون المراد
__________________
(١) في تفسير القرطبي ؛ «وقيل : إن ألف الاستفهام مضمرة. والمعنى : أ«فمن نفسك؟ ومثله : قوله تعالى : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ؟) والمعنى : أو تلك نعمة؟ وكذا قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً ، قالَ : هذا رَبِّي؟) أي : أهذا ربي؟ قال أبو خراش الهذلي :
رموني. وقالوا : يا خويلد ، لم ترع |
|
فقلت ـ وأنكرت الوجوه ـ : هم هم؟ |
أراد «أهم»؟ فأضمر ألف الاستفهام» انظر تفسير الآية ٧٩ من سورة آل عمران في تفسير القرطبي. الجامع لأحكام القرآن. والقراءة على الاستفهام قراءة شاذة.