يقدح ذلك في إقراره بأن خالق المرض والشفاء ، هو الله تعالى. فكذا هاهنا. أضاف السيئة إلينا ، والحسنة إلى نفسه. ولا يقدح ذلك في كونه تعالى خالقا للكل.
الثاني : إن أكثر المفسرين. قالوا في تفسير قول إبراهيم ـ عليهالسلام ـ : (هذا رَبِّي) (١) : أنه ذكر هذا استفهاما على سبيل الإنكار. كأنه قال : هذا ربي؟ فههنا يحتمل أن يكون المراد ذلك. كأنه قيل : الإيمان الذي وقع على وفق قصده : من الله. والكفر الذي وقع خلاف قصده : من نفسه. وهذا محال. لأنه لو وقع بإيقاعه ، لما وقع إلا ما قصده واختاره. فلما حكمنا بأن الإيمان الذي وقع على وفق قصده : من الله ، لا منه. فكيف يمكن أن يقال : الكفر الذي وقع على خلاف مقصده : منه؟
والحاصل : إن قوله : «وما أصابك من سيئة ، فمن نفسك؟» : محمول على الاستفهام ، على سبيل الإنكار ، حتى يلزم التناقض بين أول الآية وآخرها. ومما يدل على أن المراد من قوله : (قُلْ : كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) : جميع الممكنات والمحدثات وجهان :
الأول : البرهان القاطع العقلي. وهو أن كل موجود. فهو إما واجب لذاته ، وإما ممكن لذاته. والواجب لذاته واحد. وهو الله ـ سبحانه ـ والممكن لذاته كل ما سواه. ثم إن الممكنات لذاته ، إن استغنى عن المؤثر ، فحينئذ ينسد باب الاستدلال بحدوث العالم وبجوازه على وجود الصانع ، ويلزم نفي الصانع. وأما إن كان الممكن لذاته ، محتاجا إلى المؤثر ، وجب أن يثبت هذا الحكم في جميع الممكنات ، وأن لا يختلف لكونه حيوانا أو جمادا ، أو فلكا أو ملكا ، أو حركة أو سكونا ، أو فعلا أو قولا. لأنه لما كان الإمكان منشأ للحاجة ، وجب تحقق الحاجة في جميع الممكنات. ولأجل قوة هذا البرهان وظهوره. قال سبحانه : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ ، لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) على سبيل التعجب. لأنه لما كان الإمكان هو المنشأ للحاجة. فالحكم في بعض
__________________
(١) سورة الأنعام ، آية : ٧٦.