الممكنات بالحاجة ، وفي بعضها بعدم الحاجة : عجيب خارج عن المعقول.
والوجه الثاني في بيان ما ذكرناه : أنه تعالى قال في آخر هذه الآية : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ ، فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ، وَمَنْ تَوَلَّى ، فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) يعني : ما أرسلناك إليهم ، لأجل أن تجعلهم مؤمنين ، عارفين واصلين إلى الحق. فإن ذلك ليس في وسعك. بل لا يحصل ذلك إلا بقدرتي وإرشادي.
وهذا آخر تقرير هذه الحجة. والله أعلم.
الحجة الخامسة عشر : الإيمان حسنة ، وكل حسنة فمن الله ، ينتج : أن الإيمان من الله. بيان المقدمة الأولى : إن الحسنة هي الفعل الخالي عن جميع جهات القبح ، والإيمان كذلك. فكان حسنة. ولأنهم اتفقوا على أن قوله : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً : مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) (١) المراد به : كلمة الشهادة وقيل في قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (٢) : إن ذلك هو قول : لا إله إلا الله. فثبت : أن الإيمان حسنة.
وإنما قلنا : إن كل حسنة فمن الله. لقوله تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ) وهو نكرة في موضع الشرط ، فيفيد الاستغراق. وإذا ثبت أن الإيمان من الله ، وأردنا أن نبين أيضا : أن الكفر من الله تعالى. فلنا فيه وجوه :
الأول : إنه لا قائل بالفرق.
الثاني : العبد لو قدر على إيجاد الكفر. فالقدرة الصالحة لإيجاد الكفر. إما أن تكون صالحة لإيجاد الإيمان ، أو لا تكون. فإن كان الأول فحينئذ يعود ذلك إلى القول بأن إيمان العبد منه. وإن كان الثاني فحينئذ يكون القادر على الشيء غير قادر على ضده. وذلك عندهم باطل. وأيضا : على هذا التقدير تكون القدرة موجبة للمقدور. وذلك عندهم يمنع من كون القادر قادرا على الفعل. فثبت : أنه لما لم يكن الإيمان منه ، وجب أن لا يكون الكفر منه.
__________________
(١) سورة فصلت ، آية : ٣٣.
(٢) سورة النحل ، آية : ٩٠.