الثالث : إن العبد لما لم يكن موجدا للإيمان. فبأن لا يكون موجدا للكفر أولى. وذلك لأنك لا ترى في الدنيا إنسانا يرضى بالكفر والجهل والضلال. بل إنما يريد الحق والإيمان. فلما نص تعالى على أن الإيمان الذي وقع على قصده ، ليس منه ، بل من الله. والكفر الذي وقع على خلاف قصده بأن لا يكون منه ، بل من الله : كان أولى.
فإن قالوا : لم لا يجوز أن يكون المراد من كون الإيمان من الله ، هو أن الله أقدره عليه ، وهداه إليه؟ قلنا : فعلى هذا التقدير. الذي من الله هو الاقدار والتمكين. فأما تعين الإيمان فليس من الله. وهو على خلاف الآية. وأيضا : فجميع الشرائط مشتركة بالنسبة إلى الإيمان والكفر. وهو القدرة ، والعقل. والدلائل. ثم إن العبد باختيار نفسه ، أوجد أحد الضدين دون الآخر. فلا بد وأن يكون ذلك بإعانة الله ، وبترجيح داعيته على ما حققنا هذا الكلام في دليل الداعي. وهو المطلوب. والله أعلم.
الحجة السادسة عشر : لو لم يكن الإيمان بخلق الله ، لما حسن من العبد أن يحمد الله على الإيمان. وقد حسن ذلك ، فوجب أن يكون الإيمان بخلق الله تعالى. بيان الملازمة : بالنص والمعقول. أما النص : فهو أنه تعالى حكم بأن كل من أحب أن يحمد على ما لم يفعل ، كان مذموما. قال تعالى : (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) (١) وأما المعقول. فهو أن الحمد في اللغة عبارة عن مدح الفاعل على الإحسان الذي صدر منه. فإذا لم يكن الفعل فعلا له ، امتنع مدحه عليه. وإنما قلنا : إنه يحسن من العبد أن يحمد الله على الإيمان : لإطباق الأمة على قولهم : الحمد لله على نعمة الإيمان.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إنا بحمد الله على الإيمان ، بمعنى : أنه تعالى أعاننا على الإيمان ، وأقدرنا عليه ، وأرشدنا إلى كيفية تحصيله؟ وأيضا : فمذهب «ثمامة بن الأشرس» إنا لا نحمد الله على الإيمان ، بل الله تعالى
__________________
(١) سورة آل عمران ، آية : ١٨٨.