لأنا نقول : إن أبا بكر ترك التجارة بالكلية ، واشتغل بخدمة النبي. وفي زمان الإمامة ، كان مقدم الأمة ، والمرجوع إليه في حل المشكلات ، وإزاحة المعضلات. فكان هو أولى بالرواية. فحيث لم يفعل ذلك ، علمنا أن تركه هذه الروايات كان أولى. باتفاق أكابر الصحابة. وحينئذ يتوجه الطعن في أبي هريرة.
الوجه الرابع في تقرير هذا الطعن : إنه ليس في جملة الأخبار الصحيحة خبر أظهر ولا أشهر عند المحدثين من الخبر المشتمل على شرح الإسلام والإيمان والإحسان. ثم إنه اضطرب هذا الخبر ، اضطرابا شديدا ، بسبب ما فيه من الزيادات والنقصانات. ونحن نذكر القدر الذي ذكره الشيخ أبو بكر الجوزقي في كتابه الذي سماه بالمتفق بين الشيخين. وهو أول خبر أورده في ذلك الكتاب. فروى بإسناده عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة قال :
بينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يوما بارزا للناس. فأتاه رجل. وقال يا رسول الله : ما الإيمان؟ قال : الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته ورسله ولقائه. وتؤمن بالبعث الآخر. قال يا رسول الله: ما الإسلام؟ قال : أن تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان. قال يا رسول الله : ما الإحسان؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه ، فلو أنك لا تراه. فإنه يراك. قال يا رسول الله : متى الساعة؟ قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل. وأحدثك عن أشراطها : إذا ولدت الأمة ربتها ، فذلك من أشراطها ، وإذا رأيت الحفاة العراة رءوس الناس ، فذلك من أشراطها. وإذا تطاول رعاة الغنم في البنيان ، فذاك من أشراطها. في خمس لا يعلمهن إلا الله. وتلا : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) (١).
قال الشيخ أبو بكر الجوزقي مصنف كتاب المتفق بين الشيخين : هذا الحديث ما اجتمع الشيخان على صحته ، وله طرق. في بعضها زيادات.
__________________
(١) سورة لقمان ، آية : ٣٤.