الشيخ لكونه مقبولا عند كل المحدثين. وإذا كان حال هذا الخبر في الاضطراب والتفاوت هكذا ، مع أنه أقوى الأخبار الصحيحة. فما ظنك بسائر الأخبار التي ما بلغت في القوة إلى عشر درجة هذا الخبر؟
واعلم : أن من تأمل في كتب الأخبار ، عرف أن أكثرها مضطرب بسبب الزيادات والنقصانات ، بحسب الروايات المختلفة.
الوجه الخامس : إنا نعلم بالضرورة : أن الصحابة الذين نقلوا عن رسول الله هذه الأخبار. ما كانوا يكتبونها عند سماعها منه ، بل كانوا يكتفون بمجرد السماع. ثم إنهم بعد سماعها منه ، ما كانوا يقرءونها عليه عند حضوره لغرض تصحيح الغلط وإصلاح الفاسد. بل كانوا يكتفون بالسماع مرة واحدة. ثم ربما رووا ذلك الحديث بعد المدة بثلاثين سنة ، أو أربعين سنة ، أو خمسين سنة. وعند هذا يحصل القطع واليقين. بوقوع التفاوت الكثير في الألفاظ ، وفي المعاني.
أما في الألفاظ : فلأن الفقيه الذي اعتاد تلقف الدرس من الأستاذ ، وبلغ في هذه القدرة إلى الغاية القصوى ، إذا ألقى الأستاذ الدرس عليه مرة واحدة ، فإنه لا يمكنه أن يعيد ذلك الدرس بألفاظ الأستاذ بالكلية. بل لا بد وأن يقع فيه تغيير كثير في الألفاظ ، وتقديم وتأخير. ثم من المعلوم : أن هؤلاء الرواة تعودوا تلقف الدروس ، وما مارسوا هذه الصنعة. بل كانوا يسمعون ألفاظ الرسول عليهالسلام ، ثم كانوا يعيدونها بعد السنين المتطاولة. فلما لم يقدر الفقيه المتعود لتلقف الألفاظ على إعادة ما سمعه في ذلك المجلس بتلك العبارة ، فبأن لا يقدر عليه الرجل الذي لم يتعود البتة ضبط الألفاظ بعد خمسين سنة ، إعادة تلك الألفاظ ، كان أولى.
وبالجملة : فالعلم الضروري حاصل بأن إعادة تلك الألفاظ بعين ذلك الترتيب ، غير مقدور البتة.
وأما أن إعادة تلك المعاني غير ممكن أيضا : فذاك. لأن رجلا كبيرا مهيبا. إذا جلس يحدث الناس ، وحضر عنده ، جمع عظيم. فإذا تفرقوا عن