مجلسه ، وحاول كل واحد من أولئك السامعين أن يحكي عين ما سمعه. فإنه يقع بينهم اختلاف شديد ، واضطراب عظيم ، بسبب الزيادة والنقصان في ذلك الكلام. فإذا كان الأمر كذلك مع قرب الزمان ، فكيف مع تطاول المدة ، وكثرة الوسائط ، وشدة رغبات المحدثين في وجوه التحريف والتغيير؟ فبهذا الطريق. ظهر أن هذه الأخبار المنقولة إلينا ، ليست ألفاظها ، ألفاظ صاحب الشريعة ، ولا معانيها تلك المعاني.
الوجه السادس من وجوه الطعن في أخبار الآحاد : إن من المحتمل أن يكون الحديث الذي رواه الراوي ، كان مسبوقا بكلام آخر ، فدخل هذا الراوي في أثناء الكلام ، ولم يسمع تلك المقدمة ، فيقل القدر الذي سمعه. وكان ذلك القدر حظى بانفراده. ولنذكر لهذا أمثلة :
المثال الأول : روى أن ابن عمر ، وأبوه عمر ـ رضى الله عنهما ـ كان ينهي كل واحد منهما عن البكاء على الميت. ويقول : سمعت رسول الله يقول : إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه. فأنكرت عائشة رضي الله عنها ، على ذلك. وقالت : إن لكم في القرآن ما يكفيكم. قال تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ ، وِزْرَ أُخْرى) (١) والرسول ـ عليهالسلام ـ إنما قال ذلك في حق يهودية ، وأهلها يبكون عليها : «إنهم يبكون وإنها لتعذب في قبرها» فإذا جاز أن يخفى على عمر ، وعلى ابنه عبد الله ذلك ، مع كثرة علمهما ، فما الظن بغيرهما.
المثال الثاني : لما رووا أن التاجر فاجر. قالت عائشة : إنه عليهالسلام إنما قال ذلك في حق تاجر ، قد غش.
المثال الثالث : روى ابن مندة الأصفهاني في كتاب التوحيد ، عن ابن عطية. أنه قال: دخلنا على عائشة ، فقلنا : يا أم المؤمنين. إن ابن مسعود روى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال: «من أحب لقاء الله ، أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله ، كره الله لقاءه» فقالت عائشة: رحم الله أبا عبد الرحمن. حدثكم بأول الحديث ، ولم تسألوه عن آخره. وسأحدثكم: «إن الله تعالى إذا
__________________
(١) سورة فاطر ، آية : ١٨.