حاجة إلى التمسك بهذا الخبر. ويمكن أن يقال : فائدة هذا الخبر : أن يعلم أن الاستدلال بمثل هذه الحجة منقول عن أكابر الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ وذلك من أعظم الفوائد. والله أعلم.
الحجة الثانية : روى أبو داود في سننه ، بإسناده ، عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يؤمن عبد ، حتى يؤمن بأربع : يشهد أن لا إله إلا الله. وأني رسول الله بعثني بالحق. ويؤمن بالبعث بعد الموت. ويؤمن بالقدر» وزاد بعضهم : «خيره وشره».
قال الإمام الداعي إلى الله ، فخر الملة والدين ، محمد الرازي ، ختم الله له بالحسنى : هذا الترتيب موافق لكتاب الله. وذلك لأنه تعالى فصل أحوال الفرق الثلاثة في أول سورة البقرة. وهم المؤمنون والكافرون والمنافقون. ثم ابتدأ بدلائل التوحيد ، فقال : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) ثم ثنى بدلائل النبوة فقال : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا) ثم ثلث بأمر البعث والقيامة ، فقال : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ : أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) ثم ربع بأمر القدر ، فقال : (يُضِلُ) (١) بِهِ كَثِيراً ، وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً فصارت الأمور الأربعة المذكورة في الخبر ، هي الأمور المذكورة في أول كتاب الله تعالى بذلك الترتيب من غير فرق.
إذا عرفت هذا فنقول : لا نسلم أن المراد بالقدر : الخلق ، بل لفظ القدر ، قد يستعمل أيضا في الكتابة. قال الشاعر :
واعلم : بأن ذا الجلال قد قدر |
|
في الصحف الأولى ، التي كان سطر. |
ويستعمل أيضا في الحكم. قال تعالى : (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) (٢) وفي آية أخرى : (قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) (٣) أي حكمنا
__________________
(١) بين الله في نهاية الآية أنه لا يضل إلا الفاسقين.
(٢) سورة النمل ، آية : ٥٧.
(٣) سورة الحجر ، آية : ٦٠.