بذلك ، فلم قلتم : إنه ليس المراد من القدر المذكور في هذا الخبر ، هو الكتابة؟ فإنه تعالى كتب جميع الكائنات في اللوح المحفوظ ، أو نقول : لم لا يجوز أن يكون المراد منه : الحكم أو العلم. فإنه تعالى عالم بجميع الجزئيات على التفصيل التام؟
والدليل على صحة هذا التأويل : ما روى أبو هريرة أن النبي صلىاللهعليهوسلم ، قال : «سبق علم الله في خلقه ، قبل أن خلقهم. فهم صائرون إلى ما علم الله منهم» فكان هذا الخبر ، كالمفسر لجميع الأخبار الواردة في باب القدر.
سلمنا : أن المراد من القدر الخلق والإيجاد. فلم قلتم : إن المراد من الخير والشر ، هو الطاعة والمعصية؟ وذلك لأن لفظ الخير والشر ، قد يستعملان أيضا في المنافع والمضار. قال تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (١) ومعلوم أن الابتلاء لا يقع بالخير والشر ، بمعنى الطاعة والمعصية. وإنما المراد بالخير : المنافع التي هي الأموال ، والرفاهية في العيش ، والصحة في البدن ، والأهل والأولاد. والمراد بالشر : المضار التي هي القحط والمرض ، والمصيبة. ولهذا سمى الحرب والفتنة : شرا. قال الشاعر :
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم |
|
طاروا إليه زرافات ووحدانا |
وقال :
لكن قومي. وإن كانوا ذوي عدد |
|
ليسوا من الشر في شيء ، وإن هانا |
وقال :
فلما أصبح الشر ، |
|
فأمسى وهو عريان |
ولم يبق سوى العدوان ، |
|
دناهم كما دنوا |
وفي الشر نجاة حين |
|
لا ينجيك إحسان |
إذا ثبت هذا فنقول : المراد بالقدر خيره وشره : ما ذكرناه. وذلك لأن الثنوية أثبتوا للعالم صانعين. أحدهما : يفعل اللذات والراحات. والآخر : يفعل الآلام والأسقام ، فشرط النبي عليهالسلام في الإيمان : حصول الإيمان ،
__________________
(١) سورة الأنبياء ، آية : ٣٥.