على أن الإيمان بالقدر من شرائط صحة الإيمان. وهذا ينتج من الشكل الثاني : أنه ليس المراد من القدر المذكور في هذا الخبر هو الكتابة في اللوح المحفوظ :
وأما حمل القدر على العلم واللسان ، فباطل أيضا. لأن ذلك البيان ، إما أن يكون بيانا للبشر ، وهو مفقود. أو للملائكة ، وهو أيضا باطل. لأن العلم بأن الله بيّن أحوال أفعال العباد للملائكة ليس من واجبات الإيمان. وإيمان بالقدر من واجبات الإيمان بحكم دلالة هذا الخبر. وذلك يدل على أنه ليس المراد من هذا القدر هو البيان.
وأما حمل القدر على العلم ، فضعيف. لأنه إن حمل على أي علم كان ، فهو باطل. بدليل : أن من علم ذات الله وصفاته. لا يقال : إنه قدر ذات الله وصفاته ، وإن حمل على العلم المقتضي إيقاع الفعل على وجه خاص ، فهذا يقتضي أن لا يحصل القدر إلا مع التخليق والتكوين. وإن حمل على علم الله بكيفية أفعال العباد ، فالجبر أيضا لازم. لما ثبت : أن خلاف معلوم الله : محال الوقوع.
وأما قوله : «الإيمان بالقدر ، محمول على أن خالق اللذات والآلام ، هو الله» قلنا : هذا ضعيف. لأن قولنا : لا إله إلا الله ، تصريح بنفي الإلهين. وذلك يدل على أن خالق المنافع والمضار ، هو الله. فلما أوجب بعده الإيمان بالقدر ، وجب أن يكون المراد من القدر شيئا آخر ، سوى ذلك. وما ذاك إلا الإيمان بأن الطاعات والشرور كلها من الله.
وأما قوله : «المراد من ذلك : إثبات أن القدر من العبد» قلنا : هذا مدفوع بما أنه جاء في بعض الروايات : «وأن تؤمن بأن القدر خيره وشره من الله»
وأما قوله : «مذهب علي بن أبي طالب ، نفي الجبر ، والراوي إذا خالف روايته دل على ضعف في الرواية» قلنا : لا نسلم أن مذهب «عليّ» ما ذكرتم. وسيأتي تقريره ، إن شاء الله تعالى.
الحجة الثالثة : روى الشيخان في الصحيحين بإسنادهما عن الأعمش ،