حكى الخطيب في تاريخ بغداد : أن رجلا قال لعمرو بن عبيد : أخبرني عن «تبّت» هل كانت في اللوح المحفوظ؟ فقال عمرو : ليس هكذا كانت. بل كانت : «تبت يدا من عمل ، بمثل عمل أبي لهب» فقال له الرجل : فهكذا ينبغي أن تقرأ ، إذا قمنا إلى الصلاة. فغضب عمرو. وقال له : اعلم أن الله ليس بشيطان ، إن علم الله لا يضر ولا ينفع.
والجواب :
أما أن خبر الواحد يقبل في هذه المسألة أم لا؟ فقد تقدم القول فيه. ثم نقول : هذا خبر واحد ، تأكد مدلوله بالعقل. وذلك لأنا نرى أن الإنسان قد يكون مواظبا على الكفر والفسق ، وأعمال أهل النار ، ثم إنه ينقلب مؤمنا برّا تقيا ، وقد نرى الأمر على العكس منه. فانقلابه من الحالة المتقدمة إلى الحالة الأخرى المضادة لها. لا شك أنه من الجائزات الممكنات.
فإن وقع ذلك الممكن ، لا لمرجح ، لزم نفي الصانع ، وإن كان لمرجح. فذلك المرجح إن كان من العبد عاد السؤال فيه ، وإن كان من الله ، فقد حصل المطلوب. فثبت : أن هذا البرهان العقلي القاهر يدل على أن المواظب على أعمال أهل النار ، إنما ينقلب مؤمنا لأن القضاء الإلهي ، وجب قلبه من إحدى الحالتين إلى الأخرى. وهذا هو المراد من قوله صلىاللهعليهوسلم : «فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة» والمراد من الكتاب : إلقاء داعية ذلك الفعل في قلبه. لأن قلب العبد يجري مجرى اللوح. وإلقاء تلك الدواعي المختلفة فيه ، يجري مجرى إلقاء الرقوم المختلفة ، والنقوش المتباينة في قلب العبد.
قوله : «إن مراتب النطفة والعلقة والمضغة المذكورة في النص ، غير موافقة للمحسوس ، فكان الخبر غلطا» قلنا : إطلاق اسم الكل على الأغلب : مجاز مشهور.
قوله : «لو كان الأمر كذلك ، لزم كون الكفار معذورين» قلنا : قد ذكرنا أن المناظرة مع الله لا تجوز. ثم نقول : هذا خبر واحد تأكد مدلوله