فهو موجب. على ما مر تقريره مرارا. وقالوا (١) : «ليس كل ما رجح الداعي ، فإنه واجب الفعل ، فإنه قد يميل قلبنا إلى بعض الأفعال ، مع أنا لا نفعل (٢)» والجواب : إن ذلك الميل. إنما لا يوجب الفعل ، لأنه لما صار معارضا بصادر (٣) آخر أقوى منه ، فحينئذ لم يبق ميلا. بل الميل المرجح إذا حصل وخلى عن المعارض ، فإنه كما يرجح ، فلا بد وأن يوجب الفعل كما قررناه.
الحجة العشرون (٤) : ما روى يحيى بن معمر عن أبي الأسود الدؤلي قال : قال عمران بن الحصين : يا أبا الأسود أرأيت ما يعمل الناس اليوم ، ويكدحون فيه؟ أشيء (٥) قضى عليهم ، ومضى عليهم؟ أو فيما يستقبلون مما أتى به نبيهم وأخذ به عليهم الحجة. قال : «بل شيء قضى عليهم ومضى عليهم» قال : فلم نعمل إذا؟ قال : ففزعت من ذلك فزعا شديدا فقلت : إنه ليس شيء إلا خلق الله ، وملك يده. (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ، وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٦) فقال عمران ابن الحصين : سددك الله ووفقك. أما والله ما سألت إلا لأجد. وإن رجلا من مرسية ، أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقال يا رسول الله : أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه؟ أشيء قضى عليهم ومضى عليهم؟ أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم وأخذت عليهم من الله الحجة قال : «بل شيء قضى عليهم ، ومضى عليهم» قال : فلم نعمل إذا؟ قال : «من كان خلقه لواحد من المنزلتين ، فهو مستعمل لها». وتصديق ذلك في كتاب الله : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها. فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٧).
واعلم : أن القضاء يحتمل أن يكون المراد منه : وضع الأسباب التي
__________________
(١) قالوا : [الأصل].
(٢) لا نفعل (م).
(٣) بصادق (م).
(٤) العشر (م).
(٥) بشيء (م).
(٦) سورة الأنبياء ، آية : ٢٣.
(٧) سورة الشمس ، آية : ٧ ـ ٨.