الفصل الثاني
في
حكاية الدلائل التي تمسكوا بها
في اثبات أن العبد موجد
اعلم أنهم احتجوا بوجوه كثيرة :
الحجة الأولى : أنهم قالوا : إن أفعالنا يجب وقوعها على وفق دواعينا ، ويجب انتفاؤها على حسب كراهاتنا لها. وذلك يدل على وقوعها بنا.
أما المقدمة الأولى : فبيانها : أن الصائم في الصيف الصائف (١) إذا اشتدت شهوته إلى شرب الماء ، والشارع يشير إليه بذلك ، والطبيب يشير إليه به. وعلم قطعا أنه لا تبعية عليه في شرب ذلك الماء ، في الحال ولا في الاستقبال. فإنه لا بد وأن يشربه. وكذلك العالم بما في دخول النار من الألم ، إذا علم أنه لا نفع (٢) له في دخولها البتة ، وعلم أنه لو دخلها لحصلت آلام عظيمة في جسده. فإنه مع هذا العلم لا يدخلها البتة. فثبت بما ذكرنا : أن أفعالنا يجب وقوعها بحسب دواعينا ، ويجب انتفاؤها بحسب صوارفنا. وذلك هو تمام المقدمة الأولى.
وأما المقدمة الثانية : فهي قولنا : إن الأمر لما كان كذلك ، وجب أن يكون حدوث أفعالنا بنا. والدليل عليه : أنه لو كان المحدث لها غيرنا ، لصح
__________________
(١) الصيف (م).
(٢) يقع (م).