أخص أوصاف الإلهية. فكان قولنا (بِسْمِ اللهِ) دالا على أن العبد غير موجد من هذا الوجه.
الفصل الثالث
في
المباحث الواقعة في قولنا : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
قالت المعتزلة : لو كان الكفر والفسق كله من الله ، لا من العبد ، لكان المغضوب عليه من الخلق ، أكثر من المرحوم. لأن أهل النار أكثر من أهل الجنة. ومن كان عقابه وضرره أكثر من رحمته وإحسانه ، لم يكن رحمانا. لأن الرحمن هو الكامل في الرحمة ، والرحيم من صفة الرحمة بشرط أن لا يحصل نقيضه. قالوا : فأما على مذهبنا فإنه يتم لنا القول بأنه الرحمن الرحيم. لأنه تعالى خلق الخلق كلهم للنفع والرحمة ، وأما الذين كفروا وفسقوا فمن جهة أنفسهم. ونقول في ذلك كما قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ ، حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (١) وقال : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ. إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) (٢) وقال : (قُلْ : ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي. لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) (٣) فثبت : أن كونه رحمانا رحيما لا يثبت إلا على قولنا.
قال أهل السنة والجماعة : هذا الذي أوردتم علينا ، وارد عليكم. وبيانه من وجوه :
الأول : عند حصول القدرة والداعية. إما أن يجب الفعل ، أو لا يجب. فإن وجب ، لزمكم ما ألزمتموه علينا. لأنه تعالى هو الخالق لتلك القدرة ولتلك الداعية. وهما يوجبان الكفر والفسق. فكان ذلك إجبار للعبد على القبح. وأما إن قلتم : إن عند حصول القدرة والداعية لا يجب الفعل فحينئذ يكون صدور الفعل اتفاقيا ، والاتفاقي لا يكون مقدورا للعبد. فيترتب
__________________
(١) سورة الرعد ، آية : ١١.
(٢) سورة النساء ، آية : ١٤٧.
(٣) الفرقان ، آية ٧٧.