الفصل العاشر
في
قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)
قالت المعتزلة : هذا إنما يتم على قولنا. لأن العبد لو لم يقدر على الفعل لكان غضب الله [عليه (١)] محض الظلم. وأيضا قوله : (وَلَا الضَّالِّينَ) يقتضي إسناد الضلال إليهم ، لا إلى الله تعالى.
قال أهل السنة والجماعة : هذه الآية دالة على قولنا. لأنه تعالى وصفهم بكونهم مغضوبا عليهم ، ثم ذكر عقيبه كونهم ضالين. وهذا يدل على أن كونهم مغضوبا عليهم ، هو المؤثر في كونهم ضالين. والذي يدل عليه : أن العبد لما كان قادرا على الإيمان والكفر ، امتنع أن يقدم على الإيمان بدلا عن الكفر ، وبالعكس ، إلا لمرجح من قبل الله تعالى. فإذا خلق الله فيه مرجح الكفر ، فذلك هو غضب الله عليه. والضلال بعد ذلك هو أثر ذلك الغضب ونتيجته وثمرته. فثبت بهذا البرهان العقلي. أن كونه مغضوبا عليه هو الموجب لصيرورته من الضالين. واللفظ أيضا مشعور به. لأنه ثبت في أصول الفقه أن ترتيب (٢) الحكم على الوصف المناسب مشعر بالعلية. وكونه ضالا يناسب أن يكون معللا بكونه مغضوبا عليه. وهو مذكور عقيبه. فيوجب كونه معللا به ، وذلك يبطل القول بالاعتزال. ونظير هذا قوله تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ، وَرَضُوا عَنْهُ) (٣) فإن كونه تعالى راضيا عنهم ، هو الذي أوجب صيرورتهم راضين عنه. وهذا هو الواجب ، لتكون صفة الحق مؤثرة في صفة الخلق. أما لو كان كوننا راضين عنه يؤثر في كونه تعالى راضيا عنا ، لكانت صفة الخلق مؤثرة في صفة الحق. وذلك محال. ونظيره أيضا قوله تعالى : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (٤) والله أعلم.
__________________
(١) من (ط).
(٢) تركيب (م).
(٣) سورة البينة ، آية : ٨.
(٤) سورة المائدة ، آية : ٥٤.