النوع السابع عشر للقوم
إن القرآن مملوء من كونه تعالى رحيما [كريما (١)] جوادا محسنا بل الكتب الإلهية بأسرها مملوة من هذا المعنى ، والخلق مطبقون على كونه أكرم الأكرمين ، وأرحم الراحمين [من ذلك (٢)] قوله تعالى : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ) (٣) فإن كان هو تعالى يخلق الإنسان ويسلط عليه في الدنيا الفقر والزمانة والمرض والعمى ، ثم يخلق فيه الكفر ، ثم يخرجه من الدنيا إلى الآخرة ، ويدخله في النار أبدا الآباد ويعذبه أشد العذاب. فكيف يليق به أن يكون كريما رحيما ، فضلا عن أن يكون أكرم الأكرمين ، وأرحم الراحمين؟ واعلم : أن هذا نوع من الاستدلال ، من أراد تطويله وتشعيبه قدر عليه.
والجواب [عنه (٤)] إنه معارض بقوله : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) (٥) تم الجواب عنه ما ذكرناه في سورة الفاتحة ، في قوله : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
__________________
(١) من (ط ، ل).
(٢) زيادة.
(٣) سورة النساء ، آية : ١٤٧.
(٤) سقط (م).
(٥) سورة الأعراف ، آية : ١٧٩ وفي مجمع البيان : («وَلَقَدْ ذَرَأْنا) ـ أي خلقنا ـ (لِجَهَنَّمَ : كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) ـ يعني : خلقناهم على أن عاقبتهم المصير إلى جهنم بكفرهم وإنكارهم وسوء اختيارهم. ويدل على هذا المعنى قوله سبحانه : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فأخبر : أنه خلقهم للعبادة ، فلا يجوز أن يكون خلقهم للنار ، وقوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) ـ (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) في نظائر لذلك لا تحصى. والمراد بالآية : كل من علم الله أنه لا يؤمن ويصير إلى النار».