البرهان الثالث
على أن أفعال العباد بتقدير الله تعالى
اعلم أنا قبل الخوض في تقرير هذا البرهان ، نفتقر إلى تقديم مقدمات :
فالمقدمة الأولى : إنا نرى الناس مختلفين في العقائد. والاختلاف لا بدّ في البحث عن أسبابه.
فنقول : أسباب هذا الاختلاف : قد تكون من داخل ذات الإنسان ، وقد تكون من خارج ذاته.
والقسم الأول على ثلاثة أقسام :
أحدها : اختلاف ماهيات النفوس الناطقة ، وبيان حقائقها. فإن منها ما تكون زكية بالذات والجوهر. ومنها ما تكون بليدة. ومنها ما تكون رحيمة بالذات والجوهر. ومنها ما تكون قاسية. ومنها ما تكون [ميالة بالطبع إلى تحصيل اللذات الجسمانية ، نافرة (١) عن طلب السعادة الروحانية. ومنها ما تكون (٢) بالعكس من ذلك. حتى أنه لو عرض الدنيا بحذافيرها [عليه (٣)] لم يكن فرحه بها ، مثل فرحه باكتساب شيء من العلوم اليقينية ، والأخلاق الفاضلة. ومما يدل على ذلك : أنك قد ترى إنسانا يشق الشعرة (٤) في التدقيق والتحقيق في مصالح الدنيا ، مع أنه يكون في غاية البلادة والبلاهة [في العلوم (٥)] وقد يكون بالعكس من ذلك. وقد ترى إنسانين أحدهما في غاية الذكاء في هذا العلم ، والبلادة في علم آخر. والإنسان الآخر بالضد منه. حتى أنه قد يكون في غاية الذكاء والمنطق ، ويكون ناقص القوة في الرياضيات.
__________________
(١) نفورا.
(٢) من (ط ، ل).
(٣) من (ط ، ل).
(٤) الشعر (ط).
(٥) من (م ل).