وهو المجرم المذنب. ثم إن أبا العباس الناشئ (١) ـ من المعتزلة ـ نظم هذا المعنى. فقال :
إن تعد أفعالنا اللاتي نذم بها |
|
إحدى ثلاث خلال في معانيها |
إما تفرد مولانا بصنعتها |
|
فاللوم يسقط عنا حين تأتيها |
أو كان يشركنا فاللوم يلحقه |
|
إن كان يلحقنا من لائم فيها |
وإن لم يكن لإلهي في جنايتها |
|
فعل فما الذنب إلا ذنب جانيها |
ى ـ ونقلوا : أن النفس الزكية : محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب : قبل الاعتزال عن واصل بن عطاء. فقال أبوه عبد الله يوما : يا ولدي أنت كامل في كل شيء لو لا أنك تقول بالقدر. فقال النفس الزكية : أيها الأب أتلزمني على فعلي ، أو على ما خلق الله في جبرا وقسرا؟ فإن كنت تلزمني على فعل صدر عني ، فهذا هو مذهبي. وإن كنت تلزمني على فعل خلقه الله في جبرا وقسرا. فما ذنبي؟ قالوا : فتفكر عبد الله في كلام ابنه ، وانتقل إلى مذهبه (٢).
__________________
(١) من الطبقة الثامنة للمعتزلة. وهو عبد الله بن محمد ، وكنيته أبو العباس ، من أهل الأنبار ، نزل بغداد. وله كتب كثيرة نقض فيها كتب المنطق ، وهو شاعر ، وله قصيدة على روي واحد وقافية واحدة ، أربعة آلاف بيت ، وخرج في آخر عمره إلى مصر ، وأقام فيها بقية عمره. وله مناظرات كثيرة ، إلا أن في كلامه طولا. ومن قصيدة له قوله :
ما في البرية أخزى عند فاطرها |
|
ممن يدين بإجبار وتشبيه |
(٢) يقول مؤلفو كتاب التربية الإسلامية لوزارة التربية في الكويت طبعة ١٤٠٠ ه «وبعض المسلمين أخطأهم التوفيق في فهم حقيقة القدر. فجعلوه سببا فيما يقع منهم من أعمال سيئة ، يقولون : إن الله قدرها عليهم ولو شاء ما فعلوها. وهم مخطئون في هذا ، فقد خلق الله النفس الإنسانية مهيأة لتقبل الخير والشر (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها ، فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) ومنح الإنسان العقل الذي يميز به بينهما ، ويتجه باختياره إلى أي منهما. فحين يعمل الإنسان أو يقول ، ينطلق في عمله وقوله بمحض إرادته ومشيئته وهذا هو ما يتعلق به التكليف ، والثواب والعقاب (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ، لَها ما كَسَبَتْ ، وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ).
وقد حذر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، من هذا القول ، وجعل الذين يردون على القائلين به في منزلة المجاهدين في سبيل الله بالسيف. روى جابر رضي الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «يكون في آخر الزمان قوم يعملون المعاصي ثم يقولون : الله قدرها علينا. الراد عليهم يومئذ كالشاهر سيفه في سبيل الله».