الَّذِينَ كَفَرُوا : لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ. قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ، وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) (١) وثالثها : في سورة النحل (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً. وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٢) ورابعها : في سورة الملائكة (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ، فَرَآهُ حَسَناً؟ فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٣) وخامسها : في سورة المدثر ، وذلك أنه تعالى قدم بيان امتحان الفريقين بعدة ملائكة النار ، ثم قال : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٤) فإن قيل : دلت الدلائل على أنه لا يجوز أن يكون المراد من هذه الآيات خلق الكفر والضلال ، وإذا كان كذلك ، وجب المصير إلى التأويل.
أما بيان المقام الأول : فمن وجوه :
الأول : إنا سنذكر الدلائل العقلية والنقلية على أنه لا يجوز من الله تعالى أن يخلق الكفر والجهل في المكلف.
الثاني : إن تفسير الإضلال بخلق الجهل غير جائز بحسب اللغة. أما أولا : فلأن من منع غيره من سلوك طريق كرها وجبرا ، فإنه لا يقال في اللغة الصحيحة : إنه أضله عن الطريق ، بل يقال : إنه منعه وصرف عنه ، وإنما يقال : أضله عن الطريق إذا لم يرد عليه وارد من الشبه ، ما لأجله التلبس عليه الصواب. وأما ثانيها : فلأنه تعالى وصف إبليس وفرعون بكون [كل واحد منهما (٥)] مضلا. قال تعالى حكاية عن إبليس : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) (٦) وقال تعالى : (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ) (٧) ثم إنا توافقنا على أنهما ما كانا خالقين للضلال في
__________________
والمراد بالإضلال : التخلية ومنع الألطاف. وبالهداية : التوفيق واللطف. فكان ذلك كناية عن الكفر والإيمان».
(١) سورة الرعد ، آية : ٢٧.
(٢) سورة النحل ، آية : ٩٣.
(٣) سورة فاطر ، آية : ٨.
(٤) سورة المدثر ، آية : ٣١.
(٥) زيادة.
(٦) سورة النساء ، آية : ١١٩.
(٧) سورة طه ، آية : ٧٩.