مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) (١) وقال أيضا : (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) (٢) أي لم يزدادوا بدعائي لهم إلا فرارا. وقال أيضا : (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا ، حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) (٣) ومعلوم : أنهم لم ينسوهم في الحقيقة ، بل كانوا يذكرونهم الله ويدعونهم إليه. لكن لما كان استغناؤهم بالسخرية منهم سببا في نسيانهم ، أضيف النسيان إليهم. وقال أيضا في سورة التوبة : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً ، وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ، فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) (٤) فأخبر سبحانه : أن نزول السورة المشتملة على الشرائع تفرق أحوالهم. فمنهم من يصلح عند نزولها ، فيزدادوا إيمانا ، ومنهم من يفسد حينئذ ، فيزدادوا كفرا. فلا جرم أضيفت الزيادة في الإيمان ، والزيادة في الكفر ، إلى السورة لأجل أن تلك الزيادة إنما حصلت عند نزول تلك السورة.
إذا عرفت هذا فنقول : إنما أضيف الهدى والإضلال إلى الله تعالى على هذا الوجه ، وذلك لأنهما لو كانا يحدثان من العبد عند فعل مخصوص يفعله الله تعالى ، لا جرم أضيفا إلى الله تعالى ، وإن كانا في الحقيقة إنما يحصلان بإيجاد العبد وتكوينه.
والتأويل الثاني : إن الأصل هو التسمية بالضلال. يقال : أضله. أي سماه ضالا وحكم عليه به. وحكم (٥) فلان على فلان بالكفر ، إذا سماه كافرا.
وأنشدوا بيت «الكميت»
وطائفة قد أكفروني بحبكم |
|
وطائفة قالوا : مسيء ومذنب |
__________________
(١) سورة المائدة ، آية : ٦٨.
(٢) سورة نوح ، آية : ٦.
(٣) سورة المؤمنون ، آية : ١١٠.
(٤) سورة التوبة ، آية : ١٢٤ ـ ١٢٥.
(٥) في الأصل : تصحيف.