ثم [إن (١)] اتفق أن رأى شيئا ، لا يلائم طبعه. ثم اتفق أن حضر عنده أقوام يعينونه على إمضاء الغضب. ثم اتفق أن حضر عنده أقوام ، لو ترك إمضاء ذلك الغضب ، لكانوا يذمونه ويلومونه عليه. فعند اجتماع هذه الأمور بأسرها ، صار ذلك الإنسان بحيث لا يمكنه ترك تلك الأفعال الغضبية ، وأما إن اتفقت أسباب مضادة للأسباب التي ذكرناها ، فإنه يكون بحيث لا يمكنه الإتيان بالأفعال الغضبية (٢) وإن اختلط البعض بالبعض ، وتعارضت وتقاومت فالعبرة بالطرف الراجح فثبت بما ذكرنا : أن الجبر لازم على جميع التقديرات.
فإن قالوا : الإنسان مع حصول جميع الأمور التي ذكرتم ، يمكنه ترك الأفعال الغضبية فعلمنا : أن صدور تلك [الأفعال (٣)] عنه على سبيل الاختيار ، لا على سبيل الاضطرار.
فنقول : هذا هو الغلط الأخير. وعند ظهور الجواب عنه ، لا يبقى البتة فيما ذكرناه إشكال. فنقول : ما الذي تعنى بقولك : «إن الإنسان مع هذه الأمور ، يمكنه ترك الأفعال الغضبية؟» إن عنيت به أنه يمكن أن يعرض له في مقابلة تلك الخواطر : خاطر آخر. وهو أن الأولى ترك هذه الأفعال الغضبية. فنحن نسلم : أن (٤) عند ظهور هذا الخاطر ، قد يترك تلك الأفعال الغضبية. إلا أن على هذا التقدير ، صارت تلك الدواعي التي ذكرناها ، معارضة بهذه الداعية. فصارت لتلك الدواعي التي ذكرناها ، عند حصول هذا المعارض : فائدة غير جازمة. ونحن بينا : أن الفعل إنما يجب عند حصول الداعية الجازمة. فأما عند فتور الداعية ، فالفعل ممتنع. فثبت : أن ما ذكرتموه يقوي كلامنا ، ولا يوجب ضعفه. وإن أردتم أن تلك الدواعي حال بقائها على قوتها وسلامتها عن المعارض ، يمكن أن لا توجد الفعل. فهذا ممنوع. وكيف يمكن
__________________
(١) من (م).
(٢) الغيبة (م).
(٣) من (ط ، ل).
(٤) ذلك (ط).