وأما جوابهم الثاني : فضعيف أيضا : لأن قولنا : لو كان الداخل في الوجود هو إيمان «زيد» لعلم الله في الأزل أنه يؤمن. ولو كان الداخل عدم إيمانه ، لعلم الله في الأزل أنه لا يؤمن. فهذا قضية شرطية. لأن قولنا : لو كان كذا ، لكان كذا : لا شك أنه قضية شرطية. لكنا نقول : إنه لا بد مع حصول هذه القضية الشرطية ، أنه تعالى [كان (١)] عالما في الأزل بأنه [يؤمن ، أو كان عالما بأنه (٢)] لا يؤمن.
فثبت : أن أحد هذين العلمين حاصل. وإذا كان ذلك حاصلا ، امتنع أن يقع نقيض ذلك المعلوم ، وإلا لزم أن يصير علمه جهلا وهذا محال. وأيضا : إن ذلك العلم ، لما كان علما في الأزل ثم قدرنا أن المعلوم لم يقع في الأزل ، فحينئذ ينقلب ذلك العلم جهلا في الأزل. وهذا مفضي إلى وقوع التبديل فيما حصل في الزمان الماضي ، وكل ذلك محال. فثبت بما ذكرنا : أن هذه الأجوبة في غاية الضعف ، وأن البرهان الذي عولنا عليه ، مما لا يمكن دفعه بوجه من الوجوه.
وبالله التوفيق
البرهان الخامس
لو لم يكن الله تعالى موجدا لأفعال العباد ، ولا موجدا لما يكون موجبا لها ، لامتنع كونه تعالى عالما بها قبل وقوعها. إلا أن خصومنا يوافقونا على أنه عالم بها قبل وقوعها. فيلزم القطع بأنه تعالى موجدا لها ، أو موجدا لما يكون موجبا لها. وهو المطلوب.
أما بيان أنه تعالى عالم بأفعال العباد قبل وقوعها : فقد ذكرنا أنه متفق عليه بيننا وبين خصومنا. إنما الشأن في تقرير المقدمة الثانية. وهو قولنا : لو لم يكن موجدا لها ، ولا موجدا لما يكون موجبا لها ، لامتنع كونه تعالى عالما بها قبل وقوعها.
__________________
(١) من (ط ، ل).
(٢) من (ط ، ل).