ووقوع الترجيح ، وإن كان لا يحصل إلا في ذلك الوقت ، إلا أن المفهوم من قولنا : سيترجح: كان حاصلا في الأزل. [فهذا المفهوم لما كان حاصلا في الأزل (١)] وجب أن يحصل له ما يقتضي حصوله. لكن المقتضي لحصوله ، ليس هو ذاته ، وإلا لكان واجب الحصول لذاته. ولا قدرة العبد ، ولا إرادته ، لأن كل ذلك معدوم. فوجب أن يكون المقتضي له : هو قدرة [الله (٢)] وإرادته. وذلك يقتضي أن يكون وقوع أفعال العباد بقدرة الله وإرادته. فإن لم تكن قدرة الله وإرادته ، يقتضيان ما هو المفهوم من قولنا : إن الفعل الفلاني سيترجح في الوقت الفلاني ، وليس له نقيض آخر. وجب أن لا يحصل هذا المفهوم. وإذا لم يحصل هذا المفهوم ، كان [اعتقاد (٣)] حصوله جهلا. فثبت : أن (٤) على هذا التقدير أنه تعالى لو لم يكن موجدا لأفعال [العباد (٥)] ولا لما يكون موجبا لأفعال العباد ، لامتنع كونه تعالى عالما بوقوعها في الأزل. ولما كان هذا باطلا ، ثبت أن الحق ما ذكرناه. واعلم : أن هذه النكتة إنما استنبطناها من مسألة حكمية. وهي : أن الجزم بوقوع الممكن ، لا يمكن إلا بواسطة العلم بعلته وموجبه.
وبالله التوفيق
البرهان السادس
اعلم : أن هذا البرهان لا يمكن تقريره ، إلا بعد تقديم مقدمة في حقيقة المتناقضين.
فنقول :
إنهما القضيتان اللتان يجب لذاتهما أن تكون إحداهما صادقة ، والأخرى
__________________
(١) من (ط ، ل).
(٢) من (ط ، ل).
(٣) سقط (ط).
(٤) أن أحد التقدير (ط).
(٥) من (ط ، ل).