خالقا لها. فلو أثبتنا كونه تعالى خالقا لها ، بناء على كونه عالما بها قبل وقوعها ، لزم الدور.
وأما البرهان المبني على اعتبار أحوال النقيضين في الصدق والكذب. فهو مبني على أن النقيضين المختلفين بالسلب والإيجاب ، فإنه يجب أن تكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة. وهي مقدمة معلومة بالبديهة. فلا جرم كان هذا البرهان أقرب إلى التقرير ، وأبعد عن الشكوك والشبهات.
وبالله التوفيق
البرهان الثامن
لو حدث بقدرة العبد شيء ، لامتنع أن يقال : إنه إنما صدر عنه هذا الفعل ، لأنه صدر عنه فعل آخر. وإلا لزم التسلسل وهو محال. بل لا بد وأن تنتهي أفعال العبد (١) إلى فعل (٢) أول صدر عنه ذلك الفعل ، لا بواسطة فعل آخر منه ، فنقول : صدور ذلك الفعل عنه ، لا بد وأن يكون لأجل اتصاف ذاته بصفات حصلت بتخليق الله [تعالى (٣)] فنقول: [ذاته (٤)] مع مجموع تلك الأمور المعتبرة في كونه موجدا لذلك. إما أن يكون كافيا في صدور ذلك الأثر عنه ، أو لا يكون. فإن كان كافيا ، كان الفعل مع ذلك المجموع واجبا. إذ لو لم يجب ، لجاز أن يتخلف. ولو جاز أن يتخلف ، لكان صدور الأثر عن ذلك المجموع ممكنا ، لا واجبا. فكان يفتقر إلى زائد آخر. ولو كان كذلك ، لما كان الحاصل قبل ذلك كافيا في صدور الأثر عنه. وكنا قد فرضناه كذلك. هذا خلف. فثبت : أن حصول الأثر عند ذلك المجموع ، يكون واجبا. وهو الجبر.
وأيضا : إذا كان حصول الأثر عند حصول ذلك المجموع غير واجب.
__________________
(١) العباد (م).
(٢) أول فعل (ط ، ل).
(٣) من (ط).
(٤) من (ط).