بتلك السكنات ، فشاهد تلك الحركات المخلوطة ، بتلك السكنات : حركة بطيئة. إذا ثبت هذا ، فنقول : إذا كانت هذه الحركة فعلا اختياريا ، وجب القطع بأن الإنسان باختياره يتحرك في بعض الأحياز ، وباختياره يسكن في بعضها. لكن تخصيص بعض الأحياز بالحركة ، والبعض بالسكون ، تخصيصا بالقصد ، لا يمكن إلا بعد الشعور والعلم. لكنا نعلم بالضرورة : أن الإنسان إذا تحرك فإنه لم يخطر بباله أنه يتحرك في بعض الأحياز ، ويسكن في بعضها. وكيف يقال : إنه باختياره فعل في بعض الأحياز حركة ، وفي بعضها سكونا؟.
والمذهب الثاني : مذهب الفلاسفة : وهو أن الحركة البطيئة : حركة من أول المسافة إلى آخرها ، ولم يختلط بها شيء من السكونات. والبطء : كيفية قائمة بالحركة.
وعلى [هذا (١)] المذهب ، فالإشكال لازم [من (٢)] وجه آخر. وذلك أن مراتب البطء والسرعة في الحركات كثيرة متفاوتة. فإنه لا بطء ، إلا ويوجد ما هو أبطأ منه ، أو ما هو أسرع منه. فوقوع هذه المرتبة المعينة من البطء والسرعة ، دون سائر المراتب ، لا بد وأن يكون بالقصد. لأن القصد إلى إيقاع هذه المرتبة دون سائر المراتب : مشروط بالعلم بامتياز (٣) هذه المرتبة عن سائر المراتب. ومعلوم : أن النملة إذا تحركت ، فإنه لم يخطر ببالها امتياز تلك المرتبة من السرعة والبطء ، عن المرتبة التي تزداد عليها وتنتقص عنها ، فقدر تلك المرتبة من السرعة والبطء ، عن المرتبة التي تزداد عليها وتنتقص منها قدر قليل لا يحس الإنسان به. فإن الذي لا يقدر الإنسان على الإحساس به ، كيف تقدر النملة والدودة على الإحساس به؟
وأيضا : فعلى هذا المذهب لا بد وأن يكون البطء عرضا قائما بتلك الحركة. ففاعل تلك الحركة البطيئة فاعل لنوعين من الفعل.
__________________
(١) من (ل).
(٢) من (م ، ل).
(٣) بالامتياز (م).