المقدمة
في
بيان تفاصيل مذاهب الناس في هذا الباب
أعلم : أنا نعلم بالضرورة : أن القادر على الفعل إذا دعاه الداعي إليه ، ولم يمنعه منه مانع. فإنه يحصل ذلك الفعل. وهذا القدر معلوم.
ثم اختلف العقلاء بعد ذلك على أقوال :
القول الأول : إن المؤثر في حصول هذا الفعل ، هو قدرة الله تعالى ، وليس لقدرة العبد في وجوده أثر. وهذا قول «أبي الحسن الأشعري (١) وأكثر
__________________
(١) رأى الأشعري المتوفى سنة ٣٢٤ : أن العبد منفذ لما كتبه الله عليه من قبل أن يولد من بطن أمه. ودليله على ذلك الحديث الذي رواه في كتاب الإبانة من أن الملك يكتب العمر والرزق والشقاوة أو السعادة للمرء من قبل ولادته. ثم إن الأشعري موه على رأيه هذا لئلا يتهمه الناس بالجبر ، بقوله بنظرية الكسب. ومعناها : أن قدرة الله (القديمة) تقترن بقدرة العبد (الحادثة) حال حصول الفعل. وللإنسان كسب ، لأنه وضع يده على الفعل. والحق : أن الكسب لا حقيقة له. لأنه إذا اقترنت قدرة الله مع قدرة الانسان ، فقدرة الله هي التي ستغلب. وإذا ظهر أن العبد لا قدرة له ، ظهر أن مذهب الأشعري هو مذهب الجبرية. وفي ذلك يقول الشاعر
مما يقال ولا حقيقة عنده |
|
معقولة تدنو إلى الأفهام : |
الكسب ، عند الأشعري ، والحال |
|
عند البيهشي ، وطفرة ، النظام |
يقول الأشعري ـ نقلا عن الشهرستاني ـ : «إن الله تعالى أجرى سنته بأن يخلق عقيب القدرة الحادثة أو تحتها أو معها : الفعل الحاصل ، إذا أراده العبد وتجرد له ، وسمى هذا الفعل كسبا فيكون خلقا من الله تعالى إبداعا وإحداثا وكسبا من العبد مجعولا تحت قدرته».