البتة عندهم ، فإن من المعلوم بالضرورة : أن القصد إلى تحصيل الشيء ، لا يمكن إلا عند حصول تصوره في الذهن.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إن حقيقة الإيجاد والتكوين متصورة من بعض الوجوه ، عند البهائم والحشرات. وإن كان كمال تصور هذه الماهية غير حاصل عندهم. وإذا كان كذلك ، كفى ذلك القدر من التصور ، في إمكان قصد هذه الحيوانات ، إلى الإيجاد والتكوين؟.
والجواب : إن ماهية الإيجاد والتكوين غير متصورة عند الأكثرين من البشر ، والأكثرين من البهائم والحشرات. وإذا كانت هذه الماهية غير متصورة عندها ، استحال منها أن تقصد إليها وإلى تحصيلها. لأن القصد إلى تحصيل الشيء مشروط بتصوره وحصول (١) الشعور بماهيته.
وبالله التوفيق
البرهان السادس
أن نقول : العبد لو صح منه إيجاد بعض الممكنات ، لصح منه إيجاد كلها. واللازم محال ، فالملزوم محال.
وبيان الملازمة من وجوه :
الأول : إن العبد لو قدر على إيجاد بعض الممكنات ، لكان [كون (٢)] ذلك البعض مقدورا. إنما كان : لكونه ممكن الوجود. فإنا لو رفعنا الإمكان ، بقي إما الوجوب ، وإما الامتناع. وهما يحيلان المقدورية ، وما يحيل المقدورية لم يفد صحة المقدورية. ولما ثبت أنه لا مدخل لهما في هذا الباب ، لم يبق إلا الإمكان. والإمكان قضية مشتركة بين كل الممكنات ، فلزم من هذا كون جميع الممكنات مقدورة للعبد.
__________________
(١) وعند حصول (م).
(٢) من (ط).