[رواية أيبك الفارسيّ في «تاريخ ابن الجزري»]
قال شمس الدّين الجزريّ في «تاريخه» (١) : فحدّثني عزّ الدّين أيبك الفارسيّ (٢) في سنة تسع وسبعين قال : طلع أستاذنا إلى القلعة في شعبان على عادته ، فرتّب له المعزّ عشرة منهم مملوكه قطز ، الّذي تسلطن ، فقتلوه ، فركبت البحريّة وغلمان الفارس فبلغوا سبعمائة وأتوا القلعة ، فرمى برأس الفارس إليهم ، فهرب طائفة إلى الكرك إلى الملك المغيث ، وطائفة إلى الشّام ، وطائفة طلبوا الأمان. وكنا أنا وخشداشتي (٣) في اثني عشر مملوكا قد أخذنا كلّ واحد فرسا وجنبيا (٤) وهجينا ، وطلعنا من القاهرة في اللّيل ، وقصدنا البرّيّة ، فوقعنا في تيه بني إسرائيل ، فبقينا خمسة أيّام في البريّة ، ونحرنا بعض الهجن فأكلناه ، ثمّ سرنا يوما وليلة ، فلاح لنا في اليوم السّابع عمارة فقصدناها ، فلقينا صورة مدينة بأسوار وأبواب جميعها زجاج أخضر ، فدخلناها فوجدنا الرمل ينبع في أماكن منها ، وبعضه قد وصل إلى السّقوف ، وأكثر الأسواق ما فيها رجل (٥) بل الدّكاكين على حالها ، وفيها قماش ، فكنّا نمسّه فيصير هباء ، وكذلك أخشاب السّقوف حتّى النّجاس قد تفتّت. ووجدنا صينيّة نحاس فيها ميزان ، فحين رفعناها تفتّتت ، ووجدنا فيها تسعة دنانير عليها صورة غزال وعليها حروف عبراني (٦). فبقينا يومئذ ندور في تلك المدينة (٧) إلى أن وجدنا أثر رشح ، فحفرنا نحو ذراعين ، فظهرت بلاطة (٨) فقلعناها ، فإذا صهريج ماء ، فشربنا وسقينا الدّوابّ ، ونحرنا فرسا وهجينا ، وشوينا اللّحم على السّيخ ، ثمّ تزوّدنا من الماء ونحن لا ندري إلى أين نتوجّه ، فسرنا يوما وليلة ، فوقعنا على قبيلة
__________________
(١) المختار من تاريخ ابن الجزري ، ص ٢٣٦ ، ٢٣٧.
(٢) في المختار : «أيبك مملوك الفارس أقطاي».
(٣) خشداش : مملوك مع آخر من المماليك في خدمة سيّد كبير ويرتبط أحدهما بالآخر برباط الإخاء والصداقة والفداء. (تكملة المعاجم العربية ٤ / ٢٦).
(٤) وقع في المطبوع من المختار ٢٣٦ «جنبيا».
(٥) في الأصل : «ما بينها رمال» ، والمثبت من المختار ٢٣٦ ، ٢٣٧.
(٦) في الدّرّة الزكية لابن أيبك ٢٧ «أسطر عبرانية».
(٧) في الدرّة الزكية : «وبقينا في تلك المدينة ونحن ما لنا هم إلّا التدوير على الماء».
(٨) في الدّرّة الزكية : «بلاطة خضراء».