الامر الثاني فى الوضع (١)
الوضع نحو اختصاص اللفظ بالمعنى وارتباط خاص بينهما ناش من تخصيصه تارة ومن كثرة الاستعمال اخرى وتعريفه بهذا أصوب من تعريف بعض بتخصيص اللفظ بالمعنى اذ هو يختص بالتعيين ولا يشمل التعيني الناشئ من كثرة
__________________
(١) لا يخفى أن وجه مناسبة ذكر الوضع وأقسامه في مقدمة فن الأصول هو انك قد عرفت أن فن الاصول يبحث عما يترتب عليه الاستنباط ومن جملة ما يترتب عليه الاستنباط مباحث الالفاظ كقولنا الأمر يدل على الوجوب والنهي على الحرمة وصيغة أفعل على الوجوب وامثال تلك المباحث اللفظية وبما ان البحث فيها يتعلق بالدلالة وانها وضعية ناسب ذكر الوضع وأقسامه في المقدمة واما دلالة الالفاظ على المعاني هل هي ذاتية بنحو لا تحتاج الى وساطة شيء آخر فهي دعوى مجازفة اذ لا معنى لدعوى انها من لوازم الذات بل يمكن ان يدعى بان دلالة اللفظ على معناه لمناسبة ذاتية تقتضيها وإلا لزم الترجيح بلا مرجح ولازم هذه الدعوى ان الواضع للالفاظ هو علام الغيوب لانه المطلع على تلك الخصوصيات والمناسبات الذاتية وأوصله الى الخلق اما بالالهام أو بالوحي فالخلق يضع اللفظ للمعنى سواء كان ملتفتا الى المعنى أو لم يكن وأيد ذلك بان المعانى غير متناهية فيلزم ان تكون الالفاظ غير متناهية ولا يقدر على ذلك الاعلام الغيوب ولا يخفى ما فيه فان وضع الالفاظ للمعانى هو السبب لدلالة اللفظ على معناه بحيث لولاه لما دل من غير حاجة الى المناسبة الذاتية بين اللفظ والمعنى فانه ليس إلا من تصادف الاشياء وبواسطة تعدد الاشخاص من زمن آدم الى يومنا هذا حصل تعدد الوضع فان كل طبقة يضعون لفظا خاصا الى المعانى فلم تكن الاوضاع المتعددة بهذه الكثرة صدرت من شخص واحد لكي يقال ان هذه الكثرة لا يمكن حصولها