كلاً من الحسن والقبح نوعان «أحدهما» ما يكون منشأ للأمر والنهي ويكون موضوعاً للقصد ولا يتقوم بالقصد ولا يوجب ثواباً ولا عقابا وهو الناشئ عن المصالح والمفاسد الواقعية «والثاني» ما يكون متأخراً عن الأمر والنهي ويكون متقوماً بالقصد ويكون مناطاً للثواب والعقاب وهو حسن الإطاعة وقبح المعصية وعلى هذا يظهر فساد ما ذكر في الفصول من التفصيل في استحقاق المتجري للعقاب بين ما لو اعتقد تحريم واجب غير مشروط بالقربة فلا يستحق عليه العقاب وبين غيره لبنائه على إعمال قواعد التزاحم بين الجهات الواقعية المقتضية للحصن وبين التجري المقتضي للقبح فيؤخذ بالأقوى لو كان (وجه) الفساد أن إعمال قواعد التزاحم إنما يكون مع تنافي المقتضيات أثراً وليس الأمر هنا كذلك لما عرفت من أن الحسن الناشئ من الجهات الواقعية لا يقتضي ثواباً ولا ينفي عقاباً بالمرة فكيف يمكن أن يزاحم القبح التي من قبل التجري في تأثيره في العقاب كما ان القبح الآتي من قبل التجري لا يصلح أن يزاحم الحسن الواقعي في اقتضائه الأمر بالفعل فكيف يصح إعمال قاعدة التزاحم بين الحسن الواقعي وقبح التجري حتى يدعى عدم العقاب للمتجري في الفرض الّذي ذكر ولعل مراد شيخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ في رسائله من جوابه الثاني عن شبهة الفصول حيث يقول فيه : ومن المعلوم أن ترك قتل المؤمن في المثال الّذي ذكره كفعله ليس من الأمور التي تتصف بحسن أو قبح للجهل بكونه قتل مؤمن ... إلخ وذلك يعني : انه لا يوجب حسنا يصلح لمزاحمة قبح التجري من جهة منافاته للعقاب لا انه لا يوجب حسنا أو قبحاً واقعيين وإلّا فالاختيار لا يكون شرطاً في الحسن والقبح الواقعيين كما هو ظاهر فلاحظ وتأمل. ولعل من هنا يظهر توجيه كلام المصنف (ره) في عدم اقتضاء طروء عنوان مقطوع المبغوضية على الفعل المتجري به للقبح من جهة كونه ليس اختيارياً فيكون المراد به القبح المؤدي إلى العقاب لا مطلق القبح ، وإلا فقد عرفت أن القبح الواقعي ليس مشروطاً بالاختيار أصلا ، ولا يحتاج إلى الجمع بين اعترافه بكون الفعل على ما هو عليه من الحسن والقبح وبين إنكاره لقبح