(قلت) : قد عرفت الإشارة في مبحث القطع إلى أنه لا مجال للتفكيك في اقتضاء العلم الإجمالي بين حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية ، وما ذكر في السؤال لا يدل على خلاف ذلك لأن المقصود من كونه علة لوجوب الموافقة القطعية أنه يقتضي تنجز المعلوم بقول مطلق وليس للشارع الأقدس التصرف في مقام منجزيته له والردع عنها لا أنه بحيث يمنع عن تصرف الشارع الأقدس في مقام الفراغ ، فان العلم التفصيليّ ـ مع انه لا إشكال في منجزيته لمتعلقه ـ قد ثبت تصرفه في مقام الفراغ عنه بجعل الأمارات والأصول المفرغة ، مثل قاعدتي التجاوز والفراغ وأصالة الطهارة من الخبث واستصحاب الطهارة من الحدث ونحوها والبينة القائمة على طهارة أحد الإناءين في الشبهة المحصورة من هذا القبيل ، فان مدلولها المطابقي وان كان هو طهارة ما قامت على طهارته من الإناءين ، إلّا ان مدلولها الالتزامي كون الآخر هو النجس ، فمقتضى حجيتها في مدلولها الالتزامي أن ترك الآخر ترك المعلوم بالإجمال وفراغ عنه ، فحجيتها في هذا المقام تصرف في مقام الفراغ عما تنجز بالعلم لا تصرف في أصل التنجز الممنوع عنه عقلا بناء على انه علة لوجوب الموافقة القطعية ، وهذا هو ما اشتهر من جواز الترخيص بعد جعل البدل ، وأصل الطهارة ونحوه من الأصول النافية للتكليف انما امتنع جريانها في أحد الأطراف لأنها لا تصلح لتعيين المعلوم بالإجمال الأبناء على الأصل المثبت الّذي لا نقول به (فان قلت) : إذا جاء الترخيص بعد جعل البدل فلم لا يكون عموم أدلة الأصول بعد ما كان شاملا لكل واحد من الأطراف كاشفاً عن جعل البدل؟ فان عمومه لكل واحد منها وان كان شمولياً لا بدلياً إلا أنه لما امتنع ذلك لأنه ترخيص في المعصية فليحمل على أنه بدلي ويكون كاشفاً عن جعل مقدار الحرام بدلا على البدل إذ هو أولى من رفع اليد عنه بالنسبة إلى جميع الأطراف بالمرة «قلت» : قد عرفت سابقاً أن المصحح للترخيص في نظر العقل ليس مجرد جعل البدل واقعاً بل المصحح هو العلم بجعل البدل ، واحتمال جعل البدل واقعاً غير كاف بل هو نظير احتمال مخالفة الحجة القائمة على ثبوت المعلوم بالإجمال للواقع لا يصلح