ولكون مخالفته وموافقته
______________________________________________________
بالأمارة ليس معناه جعل الحكم ليستكشف من جعله إرادة أو كراهة أو مصلحة أو مفسدة فيلزم المحذور المتقدم ، بل معناه جعل الحجية فان الحجية لما كانت من الاعتبارات القابلة للجعل نظير الملكية والزوجية والحرية والرقية جاز للشارع جعلها إنشاء فيترتب عليها ما يترتب على الحجية الذاتيّة غير المجعولة كحجية القطع من الآثار العقلية كالمنجزية في صورة الإصابة والعذرية في صورة الخطأ وكون موافقتها انقياداً ومخالفتها تجرياً ، فكما تترتب هذه الآثار على الحجية الذاتيّة تترتب أيضا على الحجية الجعلية ، وليس معنى التعبد بالأمارة الا ذلك فلا يلزم منه أحد المحاذير المذكورة سوى المحذور الأخير من تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة ، لكنه مندفع بأنه لا محذور في لزومه وليس بمحال ولا باطل إذ يجوز ذلك إذا كان في التعبد مصلحة غالبة على مصلحة الواقع الفائتة أو مفسدته اللازمة ، ويشهد بذلك جميع أدلة نفي العسر والحرج والضرر فان ذلك كله لا يخلو من تفويت لمصلحة العنوان الأولي أو إلقاء في مفسدته (ويمكن) الخدشة فيه (أولا) بان هذا الجواب مختص بالأمارات والطرق التي هي موضوع خارج عن دليل الحجية فيمكن ان يتكفل دليل الاعتبار والتعبد لجعل الحجية لها ، ولا يتأتى في الأصول إذ ليس لنا فيها شيء ثالث ليتكفل دليل الاعتبار لجعل الحجية له ، فلا معنى لأن يقال : كل شيء حلال حتى تعلم انه حرام يتكفل جعل الحجية ، وإذا لم يتم في الأصول ينبغي ان لا يتم في الأمارات لاطراد الإشكال المذكور ودفعه في المقامين ، فالدافع للإشكال في الأمارات هو الدافع له في الأصول بلا فرق بينهما أصلا (وثانيا) ان ما ذكر وان كان يدفع الإشكالات المذكورة ، لكن يتوجه حينئذ إشكال آخر وهو ان الحجية للطريق المخالف إذا كانت مجعولة للشارع كانت مرادة له ، ومن المعلوم إرادتها تنافي إرادة الواقع بعين التنافي بين إرادة الشيء وإرادة ما يمنع عنه لأن حجية المخالف مانعة من الوصول إلى الواقع فكيف يصح إرادتها مع إرادة الواقع فان ذلك من قبيل نقض الغرض المستحيل فلاحظ (١) (قوله : ولكون) معطوف