لحمل ذلك العرض عرضا آخر ، وهكذا أبدا وهذا يوجب وجود أعراض لا نهاية لها وهذا باطل.
قال أبو محمد : فقلت إن المشاهدات لا تدفع بهذه الدعوة الفاسدة ، وهذا الذي ذكرت لا يلزم لأننا لم نقل إن كل كل عرض يجب أن يحمل عرضا أبدا لكننا قلنا : إن من الأعراض ما يحمل على الأعراض كالذي ذكرنا ومنها ما لا يحمل الأعراض وذلك جار على ما رتبه الله تعالى وعلى ما خلقه ، وكل ذلك له نهاية نقف عندها ولا نزيد ، ونحن إذا وجد فيما بيننا جسم يزيد على جسم آخر زيادة ما في طوله أو عرضه ، فليس يجب من ذلك أن الزيادة لا تزال موجودة إلى ما لا نهاية له لكن منتهى الزيادة إلى حيث رتبها الله ـ عزوجل ـ وتقف ، وإنما العلم كله معرفة الأشياء على ما هي عليه فقط.
ونقول لهم أيضا : أتخالف حمرة التفاحة حمرة الخوخة أم لا؟ فلا بد لهم من أن يقروا بأنها قد تخالفها في صفة ما إلا أن يخالفوا العيان!
فنقول لهم : أتخالف الصفرة الحمرة أم لا؟ فلا بدّ لهم أيضا من نعم فنسألهم أخلاف الحمرة للحمرة هو خلاف الصفرة للحمرة أم لا؟ فلا بد من لا. ولو قالوا نعم للزمهم أن الحمرة هي الصفرة إذ كانت الصفرة لا تخالفها الحمرة إلا بما تخالف فيه تلك الحمرة حمرة أخرى والخضرة ، فقد صح يقينا أن الصفرة والحمرة صفتان بهما تختلفان غير الصفة التي بها تخالف الحمرة الحمرة الأخرى والخضرة ، فقد صح يقينا أن الصفة قد تحمل الصفة ، والعرض قد يحمل العرض ، بضرورة المشاهدة على حسب ما رتبه الله تعالى ـ وكل ذلك ذو نهاية ولا بد.
وتحقيق الكلام في هذه المعاني وتناهيها هو أن العالم كلّه جوهر حامل وعرض ومحمول ولا مزيد ، والجواهر أجناس وأنواع ، والعرض أجناس وأنواع ، والأجناس محصورة والأنواع محصورة ببراهين قد ذكرناها في كتاب «التقريب» عمدتها أن الأجناس أقل عددا من الأنواع المنقسمة تحتها بلا شك ، والأنواع أكثر عددا من الأجناس إذ لا بد أن يكون تحت كل جنس نوعان أو أكثر من نوعين ، والكثرة والقلة لا يقعان ضرورة إلا في ذي نهاية من مبدئه ومنتهاه لأن ما لا نهاية له فلا يمكن أن يكون شيء أكثر منه ولا أقل منه ولا مساويا له لأن كل هذا يوجب النهاية ولا بد ، فالعالم إذن ذو نهاية لأنه ليس شيئا غير الأجناس والأنواع التي هي الجواهر والأعراض فقط ، والمعاني إنما هي الأشياء المعبرة عنها فقط ، فإذ هذا كما ذكرنا فإنما تقسيم