الأشياء بصفاتها التي تقوم منها حدودها ، مثل أن نقول ما الإنسان؟ فنقول : جسم ملوّن ، ذو نفس متصرفة فيه ، يصدر عنها أنواع العلوم والصناعات تقبل الحياة والموت.
فيقال : فما الجسم؟ وما النفس؟ وما اللون؟ وما الصناعات؟ وما العلوم؟ وما الحياة؟ وما الموت؟ فإذا فسرت جميع هذه الألفاظ ، ورسمت كل ما تقع عليه وفعلت كذلك في جميع الأجناس والأنواع فقد انتهت المعاني ، وانقطعت ، ولا سبيل إلى التمادي بلا نهاية أصلا ، لأن كل ما ينطق أو يعقل فإنه لا يعدو الأجناس والأنواع البتة. والأنواع والأجناس كما ذكرنا محصورة متناهية وكل ما خرج من الأشخاص إلى حد الفعل فقد حصره العدد ، لأنه ذو مبدأ ، وكل ما حصره العدد فمتناه ضرورة ، فجميع المعاني من الأعراض وغيرها محصورة بما ذكرنا من البرهان وإن لم نحصره نحن لضيق اتساعنا في الإحاطة بمعرفة كل ما في العالم ، ولكنا عارفون بالبرهان الصحيح الذي ذكرنا أن كل ما في العالم مما خرج إلى الوجود في الدهر مذ كان العالم من جسم أو عرض فهو كله محصور عدده ، متناه أمده ، ذو غاية في ذاته ، في مبدئه ومنتهاه وعدده. وبالله تعالى التوفيق.
وقد نعجز نحن عن عدّ شعور أجسامنا ، ونوقن أنها ذات عدد متناه بلا شك ، فليس قصور قوانا عن إحصاء عدد ما في العالم بمعترض على وجوب وجود النهاية في جميع أشخاص جواهره وأعراضه. وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : وأما قولهم إذا كان فعلنا خلقا لله ـ تعالى ـ ثم عذبنا عليه فإنما عذّبنا على خلقه.
فالجواب ـ وبالله تعالى التوفيق ـ أن هذا لا يلزم ، ولو لزمنا للزمهم إذا كان الله ـ تعالى ـ يعذبنا على إرادتنا وحركتنا الواقعتين منا ، أن يعذبنا على كل حركة لنا ، وعلى كل إرادة لنا ، بل على كل حركة في العالم وعلى كل إرادة.
فإن قالوا : لا يعذبنا إلا على حركتنا وإرادتنا الواقعتين منا بخلاف أمره.
قلنا نحن إنه لا يعذبنا إلا على خلقه فينا الذي هو ظاهر منا ، بخلاف أمره ، وهو منسوب إلينا ومكتسب لنا ، لإيثارنا إياه المخلوق فينا فقط ، لا على كل ما خلق فينا أو في غيرنا ولا فرق.
ولو أن الله تعالى يعذبنا بما خلق في غيرنا لقلنا به وصدقناه كما نقرّ بأنه يعذب أقواما على غير ما فعلوه قط ، ولا أمروا به ، لكن على ما فعله غيرهم ممن جاء بعدهم بألف عام لأن أولئك كانوا أول من فعل مثل ذلك الفعل ، قال الله عزوجل (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [سورة العنكبوت : ١٣].