وقال تعالى حاكيا عن ابني آدم ـ عليهالسلام ـ أنه قال (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) [سورة المائدة : ٢٩].
وقال تعالى (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) [سورة النحل : ٢٥].
وليس هذا معارضا لقوله عزوجل (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) [سورة العنكبوت : ١٢].
بل كلا الآيتين متفقة مع الأخرى لأن الخطايا التي نفى الله ـ تعالى ـ أن يحملها أحد عن أحد هي بمعنى أن يحط حمل هذا لها من عذاب العامل لها شيئا ، فهذا لا يكون لأن الله ـ تعالى ـ نفاه.
وأما الحمل لمثل عذاب العامل للخطيئة مضاعفا زائدا إلى عقابه غير حاطّ من عقاب الآخر شيئا فهذا واجب موجود ، وكذلك أخبرنا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنّ «من سنّ في الإسلام سنّة سيئة كان عليه مثل وزر من عمل بها أبدا لا يحط ذلك من أوزار العاملين لها شيئا» (١) ولو أن الله ـ تعالى ـ أخبرنا أنه يعذبنا على فعل غيرنا دون أن نسنّه ، وأنه يعذبنا على غير فعل فعلناه ، أو على الطاعة له ، لكان ذلك منه عين الحق والعدل ، ولوجب التسليم له ولكن الله ـ وله الحمد ـ قد أمّتنا من ذلك بقوله ـ عزوجل ـ (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) [سورة المائدة : ١٠٥].
فدل على أننا لا نجزى إلا بما عملنا إذا كنا بمبتدأين له فأمنّا ذلك ـ ولله الحمد ـ.
وقد أيقنا أيضا أنه ـ تعالى ـ يأجرنا على خلقه فينا من المرض والمصائب ، وعلى فعل غيرنا الذي لا أثر لنا فيه كضرب غيرنا لنا ظلما ، وتعذيبهم لنا ، وعلى قتل القاتل لمن قتل ظلما ، وليس هنا من المقتول صبر ولا عمل أصلا ، فإنما أجر على مجرد فعل غيره إذ أحدثه فيه ، وكذلك من أخذ ماله غيره والمأخوذ ماله لا يعلم بذلك إلى أن مات.
وأي فرق بين أن يأجرنا على فعل غيرنا وعلى فعله تعالى في إحراق مال من لم يعلم باحتراق ماله ، وبين أن يعذبنا على ذلك لو شاء عزوجل؟
__________________
(١) رواه من حديث جرير بن عبد الله مسلم في العلم حديث ١٥ ، والزكاة حديث ٦٩. والنسائي في الزكاة باب ٦٤ ، وأحمد في المسند (٤ / ٣٥٧ ، ٣٥٩ ، ٣٦٠ ، ٣٦١) ولفظه كما عند مسلم : «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».