وأما قولهم : فرض الله عزوجل الرضا بما قضى ، وبما خلق ، فإن كان الكفر والزنى والظلم مما خلق ففرض علينا الرضا بذلك. فجوابنا : أن الله عزوجل لم يلزمنا قط الرضا بما خلق وقضى بكل ما ذكر بل فرض الرضا بما قضى علينا من مصيبة في نفس أو في مال مظن تمويههم بهذه الشبه.
قال أبو محمد : فإن احتجوا بقول الله تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [سورة النساء : ٧٩].
فالجواب أن يقال لهم وبالله تعالى التوفيق : إن هذه الآية أعظم حجة على أصحاب الأصلح ، وهو جمهور المعتزلة في ثلاثة أوجه ، وهي حجة على جميع المعتزلة في وجهين ، لأن في هذه الآية أن ما أصاب الإنسان من حسنة فمن الله ، وما أصابه من سيئة فمن نفسه ، وكلهم لا يفرقون بين الأمرين ، الحسن والقبيح من أفعال المرء ، كل ذلك عندهم من نفس المرء لا خلق لله تعالى في شيء من فعله لا حسنه ولا قبيحه ، فهذه الآية مبطلة لقولهم جميعهم في هذا الباب.
والوجه الثاني : أنهم كلهم قائلون إنه لا يفعل المرء حسنا ولا قبيحا البتة إلا بقوة موهوبة من الله ـ عزوجل ـ مكنه بها من فعل الخير والشر ، والطاعة والمعصية ، تمكينا مستويا ، وهي الاستطاعة على خلافهم فيها ، فهم متفقون على أن الباري تعالى خالقها وواهبها كانت نفس المستطيع أو بعضها أو عرضا فيه ، وفي الآية فرق كما ترى بين الحسن والسيّئ.
وأما الثالث الذي خالف فيه القائلون بالأصلح خاصة هذه الآية فإنهم يقولون : إن الله تعالى لم يؤيد فاعل الحسنة بشيء من عنده ـ تعالى ـ لم يؤيد به فاعل السيئة.
والآية مخبرة بخلاف ذلك ، فصارت الآية حجة عليهم ظاهرة مبطلة لقولهم.
وأما قولنا نحن فيها فهو ما قاله عزوجل إذ يقول متصلا بهذه الآية دون فصل (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [سورة النساء : ٧٨ ، ٧٩].
ثم قال تعالى إثر ذلك بعد كلام يسير (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [سورة النساء : ٨٢].
فصح بما ذكرنا أن كل هذا الكلام متفق لا يختلف فقدم الله ـ تعالى ـ أن كل شيء من عنده ، فصح بالنص أنه تعالى خالق الخير والشر ، وخالق كل ما أصاب الإنسان ، ثم أخبر ـ تعالى ـ أن ما أصابنا من حسنة فمن عنده وهذا هو الحق ، لأنه لا يجب لنا عليه ـ تعالى ـ شيء.