الكلام في التعديل والتجوير
قال أبو محمد : هذا الباب هو أصل ضلالة المعتزلة نعوذ بالله من ذلك ، على أننا رأينا منهم من لا يرضى عن قولهم فيه.
قال أبو محمد : وذلك أن جمهورهم قالوا : وجدنا من فعل الجور في الشاهد كان يسمى جائرا ، ومن فعل الظلم كان ظالما ، ومن أعان فاعلا على فعله ثم عاقبه عليه كان جائرا عابثا.
قالوا : والعدل من صفات الله تعالى ، والظلم والجور منفيان عنه ، قال تعالى : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [سورة فصلت : ٤٦].
وقال تعالى : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [سورة البقرة : ٢٧].
وقال تعالى : (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) [سورة التوبة : ٧٠]. وقال تعالى : (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) [سورة غافر : ١٧].
قال أبو محمد : وقد علم المسلمون أن الله تعالى عدل لا يجور ولا يظلم ، ومن وصفه عزوجل بالظلم والجور فهو كافر ، ولكن ليس هذا على ما ظنه الجهال من أن عقولهم حاكمة على الله تعالى في أن لا يحسن منه إلا ما حسّنت عقولهم ، وأنه يقبح منه تعالى ما قبّحت عقولهم ، وهذا هو تشبيه مجرد لله تعالى بخلقه ، إذ حكموا عليه بأنه تعالى يحسن منه ما حسن منّا ، ويقبح منه ما قبح منا ، ويحكم عليه في العقل بما يحكم علينا.
وقال أبو محمد : وهذا مذهب يلزم كل من قال : لما كان الحيّ في الشاهد لا يكون إلا بحياة ، وجب أن يكون الباري تعالى حيا بحياة ، وليس بين القولين فرق ، وكلاهما لازم لمن التزم أحدهما ، وكلاهما ضلال وخطأ ، وإنما الحق هو أن كل ما فعله الله عزوجل أي شيء كان فهو منه عزوجل حق وعدل وحكمة ، وإن كان بعض ذلك منا جورا وسفها ، وكل ما لم يفعله الله عزوجل فهو الظلم والباطل والعبث والتفاوت.