الكلام في الماهيّة
قال أبو محمد : ذهبت طوائف من المعتزلة إلى أنّ الله تعالى لا ماهية له ، وذهب أهل السنة وضرار بن عمرو (١) إلى أنّ لله تعالى ماهية ، قال ضرار : لا يعلمها غيره.
قال أبو محمد : والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق : أن له تعالى ماهية ، وهي إنّيّته نفسها ، وأنه لا جواب لمن سأل : ما هو الباري ..؟ إلا ما أجاب به موسى عليهالسلام إذ سأله فرعون : وما ربّ العالمين (٢)؟
نقول : إنه لا جواب هاهنا إلّا في علم الله تعالى ، ولا عندنا إلّا ما أجاب به موسى عليهالسلام لأنّ الله تعالى حمد ذلك منه ، وصدّقه فيه. ولو لم يكن جوابا صحيحا تاما لا نقص فيه لما حمده الله.
واحتجّ من أنكر الماهية بأن قال : لا تخلو الماهية من أن تكون هي الله عزوجل ، أو تكون غيره ، فإن كانت غيره ، والماهية لم تزل ، فلم يزل مع الله تعالى غيره ، وهذا كفر.
وإن كانت هي هو ، وكنا لا نعلمها ، فقد صرنا لا نعلم الله عزوجل ، وهذا إقرار بأننا نجهله ، والجهل بالله تعالى كفر به.
وقالوا : لو أمكن أن تكون له ماهية لكانت له كيفية.
قال أبو محمد : وهذا من جهلهم بحدود الكلام ، ومواقع الأسماء على المسمّيات. وماهية الشيء إنما هي الجواب في سؤال السائل بما هو. وهذا سؤال عن حقيقة الشيء وذاته ، فمن أبطل الماهية فقد أبطل حقيقة الشيء المسئول عنه بما هو؟ لكن أول مراتب الإثبات فيما بيّنا هي الإنية ، وهي إثبات وجود الشيء فقط ، وهذا أمر قد علمناه وأحطنا به ، ولا يتبعض العلم بذلك فيعلم بعضه ويجهل بعضه ، بل يتلو
__________________
(١) هو من رءوس المعتزلة وشيخ الضرارية. انظر ترجمته في الفهرست (ص ٢١٤) وميزان الاعتدال (٢ / ٢٣٨) ولسان الميزان (٣ / ٢٠٣) وسير أعلام النبلاء (١٠ / ٥٤٤).
(٢) (قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) [الشعراء : ٢٤].