الكلام في السّخط ، والرضا ، والعدل ، والصدق ، والملك ،
والخلق ، والجود ، والإرادة ، والسّخاء ، والكرم ، وما يخبر عنه
تعالى بالقدرة عليه ، وكيف يصحّ السؤال في ذلك كله ..؟
قال أبو محمد : نقول : لم يزل الله تعالى عالما بأنه سيسخط على الكفار ، وسيرضى على المؤمنين ، وسيعذّب بالنّار من عصاه ، وسينعّم بالجنة من أطاعه ، وسيعدل إذا حكم ، وسيصدق إذا أخبر ، ولم يزل عالما بأنه سيخلق ما يخلق ، وأنه رب ما يخلق من العالمين ، ومالك كل شيء ، ويوم الدّين ، وأن له ملك كل ما يخلق ، لأن كل ما ذكرنا يقتضي وجود كلّ ما علق به ، وكلّ ما علق به محدث لم يكن ثم كان. ولم يزل تعالى عليما بكل ذلك ، وأنه سيكون كل ما يكون على ما هو كائن عليه إذا كوّنه. وأمّا الإرادة فقد أثبتها قوم من صفات الذّات وقالوا : لم تزل الإرادة ، ولم يزل الله تعالى.
قال أبو محمد : وهذا خطأ لبرهانين ضروريين.
أحدهما : أن الله تعالى لم ينص على أنه مريد ، ولا على أن له إرادة ، وقد قدّمنا البرهان فيما سلف من كتابنا هذا ، على أنه لا يجوز أن يشتق الله تعالى أسماء ولا صفات ، وأوردنا من ذلك أنه لا يقال : إنه تعالى متبارك ، ويقال : تبارك الله ، ولا يقال إنه مستهزئ ، ويقال : «الله يستهزىء بهم» ولا أنه عاقل. وكذلك لا يجوز أن يقال : إنه تعالى باق ، ولا دائم ، ولا ثابت ، ولا سخي ، ولا جواد لأنه تعالى لم يسمّ به نفسه ، لكن يقال : المتعالي ، كما قال تعالى ويقال : هو الكريم الغنيّ ، ولا يقال : الموسر ، ويقال : هو القوي ، ولا يقال : الجلد ، ويقال : لم يزل ولا يزال ، هو الأول ، والآخر ، والظاهر ، والباطن ، ولا يقال هو : الخفي ، ولا الغائب ، ولا البارز ، ولا المشتهر. ويقال : هو الغالب على أمره ، ولا يقال هو الظافر. والمعنى ، في كل ما ذكرنا من اللغة واحد ، فمن أطلق عليه تعالى بعض هذه الصفات والأسماء ، ومنع من بعضها فقد ألحد في أسمائه عزوجل ، وأقدم إقداما عظيما. نعوذ بالله من ذلك.
وأيضا : فإن الإرادة من الله تعالى لو كانت لم تزل ، لكان المراد : لم يزل بنص