الكلام في اللطف والأصلح
قال أبو محمد : وضل جمهور المعتزلة في فصل من القدر ضلالا بعيدا فقالوا بأجمعهم حاشى ضرار بن عمرو ، وحفصا الفرد ، وبشر بن المعتمر ، ويسيرا ممن اتبعهم أنه ليس عند الله تعالى شيء أصلح مما أعطاه جميع الناس كافرهم ومؤمنهم ولا عنده هدى أهدى ممّا قد هدى به الكافر والمؤمن هدى مستويا ، وأنه ليس يقدر على شيء هو أصلح مما فعل بالكفار والمؤمنين.
ثم اختلف هؤلاء ، فقال جمهورهم : إنه تعالى قادر على أمثال ما فعل من الصلاح بلا نهاية وقال الأقل منهم وهم عباد ومن وافقه : هذا باطل لأنه لا يجوز أن يترك الله تعالى شيئا يقدر عليه من الصلاح من أجل فعله لصلاح ما. وحجّتهم في هذا الكفر الذي أتوا به أنه لو كان عنده أصلح أو أفضل مما فعل بالناس ومنعهم إياه لكان بخيلا ظالما لهم ولو أعطى شيئا من فضله بعض الناس دون بعض لكان محابيا ظالما والمحاباة جور ولو كان عنده ما يؤمن به الكفار إذا أعطاهم إياه ثم منعهم إياه لكان ظالما لهم غاية الظلم ، قالوا : وقد علمنا أن إنسانا لو ملك أموالا عظيمة تفضل عنه ولا يحتاج إليها فقصده جار فقير له تحلّ له الصدقة فسأله درهما يحيي به نفسه وهو يعلم فقره إليه ويعلم أنه يتدارك به رمقه فمنعه لا لمعنى فإنه بخيل ، قالوا : فلو علم أنه إذا أعطاه الدرهم سهلت عليه أفعال كلفه إياها فمنعه مع ذلك لكان بخيلا ظالما فلو علم أنه لا يصل إلى ما كلفه إلا بذلك الدرهم فمنعه لكان بخيلا ظالما سفيها. فهذا كل ما احتجوا به لا حجة لهم غير هذه البتة.
وذهب ضرار بن عمرو وحفص الفرد وبشر بن المعتمر ومن وافقهم وهم قليل منهم إلى أن عند الله عزوجل ألطافا كثيرة لا نهاية لها لو أعطاها الكفار لآمنوا إيمانا اختياريا يستحقون به الثواب بالجنة وقد أشار إلى نحو هذا ولم يحققه أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم وكان بشر بن المعتمر يكفر من قال بالأصلح والمعتزلة اليوم تدعي أن بشرا تاب عن القول باللطف ورجع إلى القول بالأصلح.
قال أبو محمد : وحجة هؤلاء ، أنه تعالى قد فعل بهم ما يؤمنون عنده لو شاءوا