وكون صفين ، والجمل ، وكسائر ما لم يشاهد المرء بحواسه ، فالكل على هذا مضطرون إلى الإيمان لا مختارون له.
وإن قالوا : لم يصح عندهم شيء من ذلك ، هذه الصحة.
قلنا لهم : فما قامت عليهم حجة النبوة قط ، ولا صحت لله تعالى عليهم حجة ، ومن كان هكذا فاختياره للإيمان إنما هو استحباب وتقليد واتباع لما مالت إليه نفسه وغلب في ظنه فقط ، وفي هذا بطلان جميع الشرائع وسقوط حجة الله تعالى ، وهذا كفر مجرد.
هل لله تعالى نعمة على الكفار أم لا؟
قال أبو محمد : اختلف المتكلمون في هذه المسألة.
فقالت المعتزلة : إن نعم الله تعالى على الكفار في الدين والدنيا كنعمه على المؤمنين ولا فرق.
وهذا قول فاسد قد نقضناه آنفا ولله الحمد.
وقالت طائفة أخرى : إن الله تعالى لا نعمة له على كافر أصلا ، لا في دين ولا دنيا.
وقالت طائفة : له تعالى عليهم نعم في الدنيا ، فأما في الدين فلا نعمة له عليهم فيه أصلا.
قال أبو محمد : قال الله عزوجل : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [سورة النساء : ٥٩].
قال أبو محمد : فوجدنا الله عزوجل يقول : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) [سورة غافر : ٦١].
وقال تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) [سورة غافر : ٦٤].
قال أبو محمد : فهذا عموم بالخطاب بإنعام الله تعالى على كل من خلق الله تعالى وعموم لمن يشكر من الناس ، والكفار من جملة ما خلق الله تعالى بلا شك.
وأما أهل الإسلام فكلهم شاكر لله تعالى بالإقرار به ، ثم يتفاضلون في الشكر ، وليس أحد من الخلق يبلغ كلّ ما عليه من شكر الله تعالى فصح أن نعم الله تعالى في الدنيا على الكفار كهي على المؤمنين ، وربما أكثر في بعضهم في بعض الأوقات ، قال