كتاب الإيمان والكفر والطاعات
والمعاصي والوعد والوعيد
قال أبو محمد : اختلف الناس في ماهية الإيمان.
فذهب قوم إلى أن الإيمان إنما هو : معرفة الله تعالى بالقلب فقط وإن أظهر اليهودية والنصرانية وسائر أنواع الكفر بلسانه وعبادته فإذا عرف الله تعالى بقلبه فهو مسلم من أهل الجنّة ، وهذا قول أبي محرز الجهم بن صفوان وأبي الحسن الأشعري البصري وأصحابهما.
وذهب قوم إلى أن الإيمان هو : إقرار باللسان بالله تعالى وإن اعتقد الكفر بقلبه ، فإذا فعل ذلك فهو مؤمن من أهل الجنة ، وهذا قول محمد بن كرام السجستاني وأصحابه.
وذهب قوم إلى أن الإيمان هو : المعرفة بالقلب والإقرار باللسان معا ، فإذا عرف المرء الدين بقلبه ، وأقرّ به بلسانه فهو مسلم كامل الإيمان والإسلام وأن الأعمال لا تسمى إيمانا ولكنها شرائع الإيمان ، وهذا قول أبي حنيفة النعمان بن ثابت الفقيه وجماعة من الفقهاء.
وذهب سائر الفقهاء وأصحاب الحديث والمعتزلة والشيعة وجميع الخوارج إلى أن الإيمان هو : المعرفة بالقلب بالدين والإقرار به باللسان والعمل بالجوارح ، وأن كل طاعة وعمل خير فرضا كان أو نافلة فهي إيمان ، وكلما ازداد الإنسان خيرا ازداد إيمانه ، وكلما عصى نقص إيمانه ، وقال محمد بن زياد الحريري الكوفي : من آمن بالله عزوجل وكذب برسول الله صلىاللهعليهوسلم فليس مؤمنا على الإطلاق ولا كافرا على الإطلاق ، ولكنه مؤمن كافر معا ، لأنه آمن بالله تعالى فهو مؤمن ، وكافر بالرسول صلىاللهعليهوسلم فهو كافر.
قال أبو محمد : فحجة الجهمية ، والكرامية ، والأشعرية ، ومن ذهب مذهب أبي حنيفة حجة واحدة وهي أنهم قالوا : إنما نزل القرآن بلسانه عربي مبين ، وبلغة العرب خاطبنا الله تعالى ورسول الله صلىاللهعليهوسلم والإيمان في اللغة هو : التصديق ، فقط ، والعمل بالجوارح لا يسمى في اللغة تصديقا فليس إيمانا ، قالوا : والإيمان هو التوحيد ، والأعمال