فأما أم موسى ، وأم عيسى ، وأم إسحاق ، فالقرآن قد جاء بمخاطبة الملائكة لبعضهن بالوحي ، وإلى منهنّ عن الله عزوجل بالإنباء بما يكون قبل أن يكون ، وهذه النبوة نفسها التي لا نبوة غيرها فصحت نبوتهن بنص القرآن.
وأما بنو المجوس فقد صح أنهم أهل كتاب بأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم الجزية منهم ، ولم يبح الله تعالى له أخذ الجزية إلا من أهل الكتاب فقط. فمن نسب إلى محمد صلىاللهعليهوسلم أنه أخذ الجزية من غير أهل الكتاب فقد نسب إليه أنه خالف ربه تعالى ، وأقدم على عظيمة تقشعر منها جلود المؤمنين. فإذ نحن على يقين من أنهم أهل كتاب ، فلا سبيل البتة إلى نزول كتاب من عند الله تعالى على غير نبي مرسل بتبليغ ذلك الكتاب ، فقد صح بالبرهان الضروري أنهم قد كان لهم نبي مرسل يقينا بلا شك. ومع هذا فقد نقلت عنه كواف عظيمة معجزات الأنبياء عليهمالسلام وكل ما نقلته كافة على شرط عدم التواطؤ ، فواجب قبوله. ولا فرق بين ما نقلته كافة كافرة أو مؤمنة ، أو كواف المسلمين فيما شاهدته حواسهم. ومن قال لا أصدق إلا ما نقلته كواف المسلمين فإنا نسأله بأي شيء صح عنده موت ملوك الروم ولم يحضرهم مسلم أصلا ، وإنما نقلته إلينا يهود عن نصارى؟ ومثل هذا كثير. فإن كذّب هذا غالط نفسه وعقله وكابر حسه ، وأيضا فإن المسلمين إنما علمنا أنهم محقون لتحقيق نقل الكافة لصحة ما بأيديهم فبنقل الكافة علمنا هدى المسلمين ، ولا نعلم بالإسلام صحة نقل الكافة بل هو معلوم بالبينة وضرورة العقل ، وقد أخبر تعالى أن للأولين زبرا وقال تعالى : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) [سورة النساء : ١٦٤].
وفي هذا كفاية وبالله تعالى التوفيق.
الكلام في يوسف عليهالسلام
وذكروا أيضا أخذ يوسف عليهالسلام أخاه وإيحاشه أباه عليهالسلام منه وأنه أقام مدة يقدر فيها على أن يعرّف أباه خبره ، وهو يعلم ما يقاسي به من الوجد عليه ، فلم يفعل وليس بينه وبينه إلا عشر ليال ، وبإدخاله صواع الملك في وعاء أخيه ، ولم يعلم بذلك سائر إخوته ، ثم أمر من هتف (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) [سورة يوسف : ٧٠] وهم لم يسرقوا شيئا.
وبقول الله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) [سورة يوسف : ٢٤] وبخدمته لفرعون ، وبقوله للذي كان معه في السجن : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) [سورة يوسف : ٤٢].