لكان بهم بالفاحشة ، وهذا لا شك فيه ، ولعل من ينسب هذا إلى النبي المقدس يوسف ينزه نفسه الرذلة عن مثل ذلك المقام فيهلك ، وقد خشي النبي صلىاللهعليهوسلم الهلاك على من ظن به ذلك الظن ، إذ قال للأنصاريين حين لقيهما : «هذه صفيّة». (١)
قال أبو محمد : ومن الباطل الممتنع أن يظن ظان أن يوسف عليهالسلام همّ بالزنا ، وهو يسمع قول الله تعالى : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) [سورة يوسف : ٢٤].
فنسأل من خالفنا عن الهم بالزنا بسوء هو أم غير سوء ..؟ فلا بد أنه سوء ، ولو قال إنه ليس بسوء لعاند الإجماع فإذا هو سوء ، وقد صرف عنه السوء فقد صرف عنه الهمّ بيقين ، وأيضا فإنها قالت : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) [سورة يوسف : ٢٥] وأنكر هو ذلك فشهد الصادق المصدق : إن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت وهو من الصادقين فصح أنها كذبت وإذ كذبت بنص القرآن فما أراد بها قط سوءا فما هم بالزنا قط ، ولو أراد بها الزنا لكانت من الصادقين ، وهذا بين جدا.
وكذلك قوله تعالى عنه أنه قال : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) [سورة يوسف : ٣٣] (فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَ) [سورة يوسف : ٣٤] فصح عنه أنه قطّ لم يصب إليها.
وبالله تعالى التوفيق.
تم الكلام في يوسف عليهالسلام.
الكلام في موسى عليهالسلام وأمه
قال أبو محمد : ذكروا قول الله تعالى : (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) [سورة القصص : ١٠] فمعناه فارغا من الهم
__________________
(١) لفظ الحديث كما رواه البخاري في الأحكام باب ٢١ (حديث رقم ٧١٧١) عن علي بن حسين : أن النبي صلىاللهعليهوسلم أتته صفية بنت حييّ ، فلما رجعت انطلق معها ، فمرّ به رجلان من الأنصار ، فدعاهما فقال : «إنما هي صفيّة» قالا : سبحان الله! قال : «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم». وروي أيضا بألفاظ وأسانيد أخرى ، رواه البخاري في بدء الخلق باب ١١ ، والاعتكاف باب ١١ و ١٢. ومسلم في السلام حديث ٣٥. وأبو داود في الصوم باب ٧٨ ، والسنّة باب ١٧ ، والأدب باب ٨١. وابن ماجة في الصيام باب ٦٥. والدارمي في الرقاق باب ٦٦. وأحمد في المسند (٣ / ١٥٦ ، ٢٨٥ ، ٣٠٩ ، ٦ / ٣٣٧).