الذال (١) وليس هذا على ما ظنه الجهال وإنما معناه أن الرسل عليهمالسلام ظنوا بمن وعدهم النصر من قومهم أنهم كذبوهم فيما وعدوهم من نصرهم ، ومن المحال البين أن يدخل في عقل من له أدنى رمق أن الله تعالى يكذب فكيف بصفوة الله تعالى من خلقه وأتمهم علما وأعرفهم بالله عزوجل؟ ومن نسب هذا إلى نبي فقد نسب إليه الكفر ، ومن أجاز على نبي الكفر فهو الكافر المرتد بلا شك.
والذي قلنا هو ظاهر الآية ، وليس فيها أنهم ظنوا أن الله تعالى كذبهم حاشا لله من هذا.
وذكروا أيضا قول الله تعالى : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) [سورة يونس آية رقم ٩٤].
قال أبو محمد : إنما عهدنا هذا الاعتراض من الكفار من أهل الكتاب وغيرهم ، وأما من يدعي أنه مسلم فلا ، ولا يمكن البتة أن يكون مسلم يظن أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانا شاكا في صحة الوحي إليه.
ولنا في هذه الآية رسالة مشهورة. وجملة حل هذا الشك أنّ : (إن) في هذه الآية المذكورة بمعنى (ما) التي للجحد بمعنى «وما كنت في شك مما أنزلنا إليك» ثم أمره أن يسأل أهل الكتاب تقريرا لهم على أنهم يعلمون أنه نبي مرسل مذكور عندهم في التوراة ، والإنجيل ، وبالله التوفيق.
قال أبو محمد : هذا كل ما موهوا به قد تقصيناه وبيناه وأرينا أنه موافق لقولنا ولا يشهد شيء منه لقول مخالفنا ، وبالله التوفيق. ونحن الآن نأخذ بحول الله وبقوته في الإتيان بالبراهين الضرورية الواضحة على صحة قولنا وبطلان قول مخالفنا.
قال الله تعالى : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [سورة آل عمران آية رقم ١٦١]. وقال تعالى : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ) [سورة آل عمران آية رقم ٧٩].
فوجدنا الله تعالى وهو أصدق القائلين قد نفى عن الأنبياء عليهمالسلام الغلول والكفر والتجبر ، ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن حكم الغلول كحكم سائر الذنوب ، وقد صح الإجماع بذلك ، وأن من جوز على الأنبياء عليهمالسلام شيئا من تعمد الذنوب جوز عليهم الغلول ، ومن نفى الغلول نفى عنهم سائر الذنوب ، وقد صح
__________________
(١) القراءة في مصاحفنا : «كذبوا».